انتهت الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية الفرنسية يوم الأحد 6/5/2012 الى فوز مرشح الحزب الإشتراكي فرنسوا هولاند الذي نال نحو 52 % من الأصوات مقابل 48 % من الأصوات لمصلحة نيكولا ساركوزي ، مما مهد لعودة اليسار لحكم فرنسا بعد 17 سنة من حكم اليمين الديغولي ، وبعد ان سقطت تقريباً كل الحكومات الإشتراكية في اوروبا . وسبب عودة اليسار الى الحكم ليس دليل انتصار جديد للأيديولوجية الإشتراكية التي خسرت حصنها المنيع بعد تفتت الأتحاد السوفياتي وتحوله الى الإقتصاد الحر ، بل جاء الإنتصار نتيجة الأحباط الكبير الذي يعيشه المواطن الفرنسي حيث هناك تزايد في اعداد العاطلين عن العمل وصل الى حدود 11 % من القوى العاملة ، وضعف القدرة الشرائية ، وتراكم المديونية على الدولة حيث وصلت الى نحو 900 مليار يورو ، وتراجع التقديمات الإجتماعية ، وتدني المستويات التعليمية في المؤسسات التربوية ، وعجز الحكومة الفرنسية عن مواجهة الأزمة المالية التي تتخبط بها اوروبا وما لها من تأثير على مصير اليورو ، وارتفاع الضرائب ، وغلاء اسعار المواد الإستهلاكية الأساسية وخاصة منها المحروقات ، وعجز في الميزان التجاري وصل الى حدود 60 مليار يورو . وبما ان اكثرية الشعب الفرنسي غير ملتزمة بعقيدة حزبية او متعصبة لتيار سياسي معين فقد ارتأت منح صوتها الى المرشح الأشتراكي عسى ان يكون برنامجه قابل للتطبيق ، وأن يتمكن من إحداث التغيير الذي نادى به وحمله كشعار اساسي في حملته الأنتخابية . وكانت الدورة الأولى من الإنتخابات الرئاسية قد افضت الى منح هولاند نحو 27 % من الأصوات وساركوزي نحو 26 % من الأصوات وذلك للمرة الأولى في تاريخ فرنسا حيث ينال رئيس مرشح لولاية ثانية اقل من منافسه . كما افضت النتائج في الدورة الأولى الى منح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن نحو 18 % من الأصوات مقابل 11 % لمرشح اليسار جان لوك ميلونشون و9 % لمرشح التيار الوسطي فرنسوا بايرو . وجاءت النتائج بنسب متفاوتة ما دون ال 5 % لسائر المرشحين الأخرين . ويبدو من خلال ما افرزته الدورة الأولى من نتائج انها جاءت لمصلحة فرنسوا هولاند للأسباب التالية : 1- اعتبرت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن ان معركتها الإنتخابية هي ضد نيكولا ساركوزي رغم ان هذا الأخير طرح الكثير من الشعارات التي قارب فيها شعارات لوبن . وكانت المفاجأة ان مارين لوبن اعلنت انها ستصوت في الدورة الثانية بورقة بيضاء مما يعني انها اوحت لأنصارها بطريقة غير مباشرة بأن يحذوا حذوها . علماً انه لم يكن بإمكان لوبن ان تجير اصوات ناخبيها الى ساركوزي حتى لا يقال انها اصبحت جزءاً من حملته الإنتخابية وهي التي كانت تدعو في الدورة الأولى الى التصويت ضده من منطلق ان فترة حكمه كانت فاشلة بكل المقاييس . وهنا خسر ساركوزي نسبة لا بأس بها من اصوات اليمين المتطرف ، وكسب هولاند بعض هذه الأصوات نكاية بساركوزي وصلت نسبتها الى نحو 14% . 2- جاءت المفاجأة الأخرى من مرشح اليمين الوسط فرنسوا بايرو الذي اعلن انه سيصوت في الدورة الثانية لصالح هولاند مما اوحى الى انصاره بأن يصوتوا ضد ساركوزي او الإحتجاب عن التصويت. 3- تم تجيير اصوات الشيوعيين واليساريين وأنصار البيئة الى هولاند . 4- تم تجيير معظم اصوات المسلمين الفرنسيين لصالح هولاند بسبب ما شهدته ولاية ساركوزي من حملات اعتبروها انها استهدفتهم سواء من خلال منع لبس البرقع ، او من خلال منع المصلين من اداء شعائرهم الدينية امام المساجد يوم الجمعة ، او من خلال اعتراض ساركوزي على منح المهاجرين المقيمين في فرنسا حق التصويت في الإنتخابات البلدية لأن معظهم برأيه من المسلمين ، او من خلال انتقاد الذبح الحلال ، او من خلال ما اعلنه وزير الداخلية عن وجود تمايز كبير بين حضارة الغرب وحضارة الأخرين ، أي المسلمين . وعليه فقد اصبح فرنسوا هولاند رئيس فرنسا لمدة خمس سنوات مقبلة قد يكون خلالها قادراً على تثبيت اقدام اليسار مجدداً في الحكم ليفتح من وراء ذلك نافذة يسارية على بعض الدول الأوروبية وأحتمال عودة الإشتراكية الى حكم بعضها . ونجاح هذه الخطوة مرهون بما ستؤول اليه نتائج الإنتخابات التشريعية في شهر حزيران / يونيو المقبل في فرنسا لأن حصول الإشتراكيين على اكثرية برلمانية يوفر لرئيس فرنسا مناخاً مريحاً في ادارة شؤون البلاد وتسيير اعمالها . اما عن ملفات السياسة الخارجية فقد لوحظ انها لم تستأثر بإهتمام الناخب الفرنسي رغم ان المرشحين تطرقوا اليها ولو بشكل شكلي . وإذا ما فتش العرب عن موقعهم في الإنتخابات الفرنسية فالجواب واضح تماماً وهو ان لا مكان لهم في سياسة اليمين او في سياسة اليسار إلا بقدر ما تتطلب مصالح فرنسا ومنافعها الخاصة .