جديد المركز

الثورات العربية بعد عام على اندلاعها

شهد العالم العربي عام 2011 تطورات متسارعة لم يكن أحد يتوقعها لا على المستوى العربي ولا على المستوى الدولي ، لا بل بقدر ما شكلت المتغيرات التي حصلت مفاجأة بقدر ما اوقعت المراقبين وصناع القرار في حيرة حول كيفية التعاطي مع هذه المتغيرات ؟ وما هي افاقها ؟ وما مدى قدرتها على تلبية حاجات الناس ؟ ومن سيقطف ثمارها ؟ وأي انظمة ستكون البديلة عن تلك التي تم الإطاحة بها ؟ ولأن الإجابة عن كل هذه التساؤلات كانت مسألة صعبة وفي غاية التعقيد فقد عمدت دول غربية ومنها فرنسا ودول عربية الى اعتبار ان التغيير الذي يحصل وأياً تكن نتائجه يجب النظر اليه على انه مسار ايجابي نحو تكريس الديمقراطية والتخلص من الديكتاتوريات ومن الأنظمة التي لم تعد تعبر عن نبض الشارع ولا قادرة على تحقيق اهدافه وتطلعاته . وأتفق الجميع ايضاً على انه ما كان للمواطنين العرب ان يخرجوا الى الشارع وأن يواجهوا خطر الموت من القوى الأمنية المحسوبة على الأنظمة إلا لأنهم ضاقوا ذرعاً بما يعانونه من بطالة وفقر وعدم قدرة على التعلم والطبابة ، إضافة الى حرمانهم من حرية الرأي والتعبير سواء على المستوى الإعلامي او عبر تأسيس منظمات المجتمع المدني . وكانت الشرارة الأولى التي اندلعت من تونس ، وأعقبتها مصر ، ومن ثم ليبيا واليمن وسورية مع احتمال ان تشهد دولاً عربية أخرى احداث مماثلة في العام 2012 . وكان من الممكن ان تصل عدوى التغيير الى الأردن والمغرب ولكن الذي حد منها اسراع قادة هذه الدول الى اجراء اصلاحات دستورية استجابت في اطرها العامة لمتطلبات وطموحات الناس . وإذا كانت ملامح التغيير لم تتضح بعد في سورية بسبب تعقيدات الوضع في هذا البلد المرشح له ان تستمر ازمته طيلة العام 2012 او الى ابعد من ذلك ، إلا ان الدول الأخرى قد انجزت ما كانت تطمح اليه حيث شهدت دول المغرب ومصر تونس انتخابات جديدة ، ووافق الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على التنحي تاركاً للقوى الفاعلة في البلاد التشاور والتفاوض من اجل بناء دستور عصري وإجراء انتخابات جديدة ، وتمت تصفية العقيد معمر القذافي ليتولى المجلس الوطني المؤقت ادارة شؤون البلاد تمهيداً لإعادة بناء دولة حديثة . ولكن هل هذا يعني ان العالم العربي سيشهد عام 2012 انطلاقة ترتقي الى مستوى الطموحات أو ان هذه الدول التي شهدت متغيرات قد دخلت انفاق جديدة مظلمة من الصعب حتى الأن التكهن بكيفية خروجها منها؟. الإجابة على هذا التساؤل تستدعي استعراض واقع كل دولة على حدة من تلك التي تحركت تحت مظلة ” الربيع العربي “. • فسورية تمر الأن بظروف معقدة وغامضة حيث لا المعارضة موحدة وواضحة في مشروعها السياسي بإستثناء انها تطالب بإسقاط النظام دون معرفة من هي الجهة البديلة ولا ما هو برنامجها التغييري . يضاف الى ذلك ان المعارضة ليست قادرة حتى الأن على حسم المعركة لمصلحتها لأن الجيش لا زال موالياً للنظام وكذلك الشرائح الأساسية في المجتمع المدني من صناعيين وتجار يضاف اليهم جمهور الحزب الحاكم وما يدور في فلكه من اجهزة امنية . ولا يمكن لنا ان نتغافل هنا عن مسألة هامة وخطرة وهي بداية اندلاع حروب مذهبية وأن تكن لا زالت صغيرة إلا ان استمرار الوضع على هذا المنوال عام 2012 كفيل بإحالتها الى حروب كبيرة . ويأتي العامل الدولي ليزيد الأمر تعقيداً حيث تقف الولايات المتحدة الأميركية ودول الإتحاد الأوروبي ومعها مجموعة من الدول العربية وتركيا الى جانب المعارضة فيما تقف روسيا والصين ومجموعة من الدول العربية ( الجزائر ولبنان والعراق على سبيل المثال ) ومعها ايران مع النظام شرط ان يقوم بإصلاحات . وهذا الصراع الدولي قد يؤدي عام 2012 الى : – إما الى اطالة عمر الأزمة مع ما سيترافق ذلك من اسالة للدم ونزاعات اهلية ومذهبية وطائفية . – وإما الى تقسيم سورية الى دويلات طائفية . – وإما الى اتفاق على تسوية ما بحيث لا النظام يبقى المستأثر بالسلطة ولا المعارضة تمسك بزمامها لوحدها . – وإما الى نشوب حرب اقليمية تأخذ بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الى مجاهل خطرة وغير معروفة النتائج . • وفي ليبيا يبدو ان التغيير الذي حصل قد اوقع الأطراف الليبية الداخلية في نزاعات وخلافات حول تقاسم “قالب الجبنة ” حيث هناك اطراف اصولية ، واخرى ليبرالية ، وقوى قومية عروبية ، وبعض بقايا النظام البائد ، دون ان نتغافل عن تعقيدات التركيبة السكانية وما لدى القبائل والعشائر من نفوذ . وبناء عليه أي هوية سياسية ستكون لليبيا المستقبل ؟ وأي طبيعة للنظام المقبل ؟ • وفي تونس جرت انتخابات تشريعية وتم الإتفاق على اسم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ولكن مسار النظام السياسي الجديد ذاهب بإتجاه اعتماد الإسلام كمصدر للتشريع في ظل وجود قوى ليبرالية فاعلة كانت ولا زالت تتطلع الى بناء نظام علماني . • وفي مصر انتجت الإنتخابات نظاماً ذات هوية اسلامية مشابه لذلك الذي قام في تونس ويعتمد على نفس المصادر التشريعية كما لديه نفس التوجه الإيديولوجي . فهل سيتمكن هذا النظام من ادارة شؤون البلاد في ظل وجود تيارات شعبية وسياسية كبيرة مناقضة ومناهضة ؟ وهل سيبقى الجيش قادر على حفظ السلم الأهلي أم هناك توجه لتهميش دوره خاصة وأننا لمسنا في الأونة الأخيرة حركة عصيان مدني ضد المجلس العسكري وضد استمراره الإمساك بزمام السلطة . • وفي اليمن لا يمكن القول ان الأزمة انتهت لا بل قد بدأت لتوها نتيجة تحديات جمة منها: – ما هو دور القبائل التي لطالما كانت اساسية في تركيبة أي نظام ساد في اليمن ، وما هي امكانية اتفاق هذه القبائل فيما بينها على نظام يمثلها ويحفظ لها مكانتها ودورها ؟ – ما هو مستقبل اليمن الجنوبي والحراك الذي كان سائداً فيه خاصة وأن زعماء هذا الشطر سبق وأعلنوا انهم اوقفوا حراكهم الداعي الى الإنفصال عن اليمن الشمالي الى ما بعد سقوط علي عبدالها صالح ؟ – ما هو دور الحوثيين الذين نادراً ما كانوا على وئام مع السلطات المتعاقبة ؟ – ما مدى تأثير تنظيم القاعدة على مجريات الأوضاع داخل اليمن خاصة وأن هذا التنظيم قد اندس بقوة بين القبائل وفي بعض المناطق مزوداً بإمكانيات مالية وتسليحية لا يستهان بها ؟ – وأخيراً ما هو شكل النظام الجديد الذي سيقوم ، وما قدرته على استيعاب هذه الفسيفساء المعقدة ؟ • وعن المغرب وما جرى فيها من انتخابات فقد اسفرت عن وصول تنظيمات اصولية تعتنق نفس الإيديولوجية لمن تسلم السلطة في تونس وللأكثرية البرلمانية في مصر ؟ فهل تستجيب هذه المتغيرات لطموحات الناس أم ان ما جرى سيكون مرحلة انتقالية الى مرحلة أخرى قد تفرز وأقع أخر مختلف تماماً ؟ هذا الواقع يقودنا الى نواحي أخرى من التساؤلات المشروعة حول مستقبل المتغيرات التي حصلت في بعض دول العالم العربي ، ومدى قدرتها على مواصلة مسيرتها في ظل ظروف اقتصادية صعبة جداً تمر بها كل هذه الدول دون امتلاكها إمكانيات تتيح لها مواجهة التحديات الإجتماعية والإقتصادية والصحية والتربوية وإعادة بناء البنى التحتية خاصة وأن كافة هذه الدول بإستثناء ليبيا لا تمتلك أي ثروات طبيعية . يضاف الى ذلك على المستوى الإقليمي شيوع تحاليل تتحدث عن دور ما لتركيا التي تعتبرها الولايات المتحدة انها تشكل النموذج الذي يجب ان يحتذى به من منطلق ان المطلوب الأن اتاحة الفرصة ” للإسلام المعتدل ” ان يحكم وأن هذا ” الإسلام المعتدل ” هو الذي وصل الى السلطة في مصر وتونس والمغرب ، وهو المرشح للوصول في اليمن وليبيا ، وهو الأوفر حظاً لإستلام السلطة في سورية في حال تم التغيير . وإذا كان هذا الإسلام المعتدل يمثل المذهب السني فما هو دور ايران في المنطقة والى أي مدى ستتقبل دوراً مضخماً لتركيا في ظل نزاعات اقليمة ودولية حادة في منطقة الشرق الأوسط ؟ يضاف الى ذلك ما هو مصير ” الهلال الشيعي ” الذي كثيراً ما تحدث عنه بعض الزعماء العرب وخاصة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ؟ والتساؤل ايضاً يطرح نفسه عن دور اسرائيل ومستقبل السلام في الشرق الأوسط ومصير اتفاقية كمب ديفيد مع مصر ، ووادي عربة مع الأردن ، والعلاقات الدبلوماسية مع تونس والمغرب ؟ وماذا سيكون الموقف من اسرائيل فيما لو قامت بحرب ضد حركة حماس في غزة بوصفها وفق التصنيف الغربي ” حركة ارهابية ” خاصة وأن حركة حماس تنتمي ايديولوجياً الى نفس التيار الأكثري الأن في مصر وليبيا ونفس تيار السلطة في تونس والمغرب ؟ . ودولياً هل نستطيع القول ان ما حصل وإن لم يكن بتخطيط اميركي ولا حتى خارجي من أي جهة ، انما تعمل واشنطن على إستثماره وتوظيفه في خدمة مشروع الشرق اوسط الكبير ؟ وما هي امكانية الأنظمة العربية الناشئة على التأقلم مع أستراتيجية اميركية جديدة في المنطقة ؟ وأوروبياً كيف سيتعاطى الأتحاد الأوروبي مع انظمة اسلامية ستقوم على الضفة الأخرى من المتوسط في المغرب وتونس وليبيا وهو الذي كان بالأمس يحذر منها ويبدي اقصى درجات التخوف من وجودها دون تمييز ما بين اصولية سياسية وأصولية دينية بدليل ما حصل بشأن رسوم الرسول في هولندا والدانمرك ، والنقاب في فرنسا وبلجيكا ؟ . وأخيراً يبقى التساؤل الأكبر هو حول ما كسبه المواطن العربي في الدول التي شهدت تغييراً لطالما ان أي شيء بالنسبة اليه حتى الأن لم يتغير ؟ وهل سينتظر طويلاً قبل ان يبدأ بتلمس مسار التغيير الفعلي ؟ .