في ظل ما يشهده العالم العربي من حراك ادى الى سقوط انظمة في تونس ومصر وليبيا والى تهديد انظمة أخرى في اليمن وسورية تبدو جامعة الدول العربية اشبه ” بشاهد ما شفش حاجة ” حيث سجلت غياباً كلياً عن لعب أي دور فيما مجلس الأمن والأتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي ناشطين في كل الإتجاهات . ولعل القرار الوحيد الذي اتخذته جامعة الدول العربية هو اقدامها على تجميد عضوية ليبيا القذافي . وتردد حينها ان هذا القرار كان مطلباً غربياً للإستناد عليه بغية تسليم الملف الليبي الى حلف الأطلسي وليس مطلباً عربياً ولا حتى بإيحاء عربي . اما عن مجريات ما حصل في مصر وتونس وما يجري الأن في سورية واليمن فإن موقف جامعة الدول العربية يقتصر على اصدار البيانات المشبعة بالتعابير الدبلوماسية الداعية الى ” وقف دورة العنف ” والى ” وضع حد لشلالات الدم ” والى ” اعتماد الحوار ونبذ الإقتتال ” وما الى هنالك من مصطلحات لا تسند ثورة ولا تدعم نظام . وغالباً ما تظهر نقاط الخلاف والتباعد في كل اجتماع يعقده مجلس جامعة الدول العربية ، كما تظهر معه ضعف القدرة على ادارة أي ملف رغم ان ما يحصل في العالم العربي يستحق ليس فقط قمة عربية واحدة بل استنفار يومي لعقد قمم متتالية . فالعالم العربي لا يشهد اليوم مجرد تغيير في انظمة نقمت عليها شعوبها وحملتها مسؤولية الأزمات المالية والإقتصادية وسوء الإدارة وشيوع الفساد وكثرة البطالة وغلاء الأسعار وأنعدام الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ، بل ما يجري هو تمهيد لبناء عالم عربي جديد على المستوى الأيديولوجي والعقائدي والجغراسياسي الى حد ان الأمور لم تعد تتوقف عند حدود النكتة التي شاعت قبل شهور والتي تقول ان القمة العربية المقبلة ستكون مناسبة ليتعرف الزعماء العرب على بعضهم لأن اكثريتهم جدد ، بل تتعدى المخاطر هذه النكتة الى حد القول ان من المحتمل ان تكون أي قمة عربية مقبلة مناسبة للبحث بعضوية دول طائفية ومذهبية جديدة كانت في السابق جزءاً من دولة او من عدة دول . وقد يقول قائل ان المشكلة ليست في جامعة الدول العربية المعروف عنها ضعفها وهشاشة الأليات التي تعمل بموجبها والتي يرفض الزعماء العرب تطويرها وتحديثها لمواكبة أي تطورات تحصل . وهذا صحيح ، ولكن الصحيح ايضاً ان الأمانة العامة الجديدة التي تسلمت مهمامها منذ اشهر لم تضع لنفسها خارطة تحرك ، ولا هي قامت بأي مبادرة ، ولم تدعو الى أي لقاء هام ، وجل ما تفعله انها تعمل مثل ساعي البريد الذي يوزع الرسائل دون حتى ان يعرف مضامينها . وسابقاً كان يقال ان قوة الجامعة من قوة دولة المقر . وبما ان مصر تمر الأن بمخاض كبير فمن الضروري ان ينعكس ذلك على الجامعة ودورها . ولكن من الخطأ الربط ما بين منظمة اقليمية هامة وما بين مقر وجودها ، لا بل هي الأن فرصة لتعبر الجامعة عن قدرتها على لعب دور حتى ولو كان متواضعاً دون النظر الى مخاض دولة المقر وما تمر به من ظروف حساسة وحرجة . وخير دليل على ذلك ان بلجيكا التي تمر منذ نحو عشرين شهراً بأزمة سياسية حادة ذات ابعاد قومية ووسط مخاطر بالتقسيم لم تترك أي انعكاس على عمل الأتحاد الأوروبي الذي يتخذ من بروكسل مقراً له .