في العام 1985 خرج المذيع أيف ميروزي على مشاهدي قناة TF1 خلال نشرة اخبار الساعة الواحدة ظهراً ليقول لهم إذا سمعتم ضجيج طناجر ، وشممتم رائحة طعام فجر الغد فاعلموا ان جيرانكم مسلمون وقد استيقظوا لتناول طعام السحور لأن غداً هو اول يوم في شهر الصيام عندهم .
بهذه العبارات الساخرة اعلن المذيع الفرنسي بداية شهر رمضان المبارك عند المسلمين وكأنه بذلك يعلن انه شهر الطعام وضجيج الطناجر . اما اليوم فقد بات لشهر رمضان في فرنسا معان كثيرة روحية ودينية وأخلاقية وحتى اقتصادية إذ بدأ الفرنسيون يعدون العدة لإستقبال هذا الشهر بما يتوافق واحتياجات المسلمين .
ففي دراسة أعدتها شركة اقتصادية بينت فيها أن مسلمي فرنسا يستعدون لإنفاق ما مجموعه 350 مليون يورو، تقريبا، بمناسبة شهر رمضان وأن معظم هذا المبلغ يذهب للمواد الغذائية، وبالأخص اللحوم والحبوب ومنتجات الألبان والحلويات .
وتشير الدراسة التي قام بها باحثو شركة «سوليس» المتخصصة في اتجاهات الاستهلاك لدى الجماعات الإثنية في فرنسا، إلى أن العائلات التي تصوم في رمضان تطبخ بكميات أكبر خلال هذا الشهر لكي تكون مائدة الإفطار مميزة. كما أن المتاجر الكبيرة المتخصصة في بيع المأكولات واللحوم الحلال تقدم عروضا أوسع من المعتاد في باقي أشهر السنة، وتتفنن في أساليب اجتذاب الزبائن.
وبناء على ذلك تحاول سلسلة المتاجر الفرنسية الشهيرة، مثل «كارفور» و«كازينو» و«أوشان» أن لا يفوتها القطار، لذلك طبعت منشورات دعائية خاصة بالشهر الكريم، ووسّعت من المساحات المخصصة لعرض المنتجات المحضّرة وفق الشريعة الإسلامية.
وتقول الدراسة إن عربة التسوق المتوسطة للعائلة المسلمة في فرنسا تتضخم بنسبة 30 في المائة خلال رمضان. ومن أهم ما تحرص ربات البيوت المهاجرات على اقتنائه رقائق تحضير المعجنات والتمور والألبان الرائبة وأنواع الحساء المجفف المعتاد في بلدان المغرب العربي، مثل الحريرة المغربية والشوربة الجزائرية. وتضاف إلى المواد السابقة قناني المشروبات الغازية والعصائر التي تنتجها شركات محلية يديرها مسلمون أو يجري استيرادها من مصر والمغرب وتركيا. وتشهد هذه المنتجات قفزات في أرقام مبيعاتها مع حلول شهر رمضان.
وتترافق الاستعدادات مع بادرة من المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية لاحتساب مواعيد الاحتفال بالأعياد وبدء شهر الصيام وفق تقويم قمري ، وليس بالطريقة التقليدية التي تعتمد على الرؤية بالعين المجردة. وهم ما زالوا حتى الآن يتبعون ما يصدر من تحديد مواعيد بهذا الخصوص من المملكة العربية السعودية أو مصر أو إيران، ليقرروا موعد كل مناسبة، مع ما قد يحصل من اختلاف في تحديدها. ولكن مع العام المقبل سيصار الى تشكيل لجنة لدراسة التقويم الحسابي بما يتوافق مع فرنسا فقط .
ويأتي رمضان، هذا العام، شاهدا على انقسام جديد في أوساط المسلمين الفرنسيين الذين تقدّر أعدادهم بأكثر من 6 ملايين نسمة. فقد أعلن عميد مسجد باريس الكبير، دليل بوبكر، عن استقالته وسحب ممثليه من المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية، الذي تأسس عام 2003 ويرأسه، حاليا، محمد موساوي.
وحسب بيان الاستقالة، فإن بوبكر يندد بخلل خطير في إدارة المجلس وانفراده بالقرارات مما أدى إلى تقليص الدور المتاح لمسجد باريس. وما الاستقالة سوى حلقة في مسلسل طويل من الاختلاف في وجهات النظر، يستمر منذ عقود، بين التيارات المختلفة التي تقود مسلمي فرنسا وكانت تتدخل فيها أيد من الخارج. فالقائمون على مسجد باريس الكبير، أقدم مساجد البلاد وأشهرها والذي ساهمت الجزائر في الإشراف عليه، تاريخيا، يعارضون الربط بين مساحات المساجد وبين عدد ممثليها في المجلس. وهم يرون أن تعداد المسلمين الفرنسيين الجزائريي الأصل هو الأكبر، وبالتالي فإنهم يرون ان تمثيلهم يجب أن ينسجم مع نسبتهم العددية.
وإذا كانت الحكومات اليمينية السابقة قد سعت لتشكيل ما يسمى بـ«إسلام فرنسي» له مواصفاته الخاصة، وبذل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ومن قبله الرئيس جاك شيراك، جهودا لتوحيد صوت ممثلي المسلمين، مع الاعتراف بالحساسيات الموجودة بينهم، فإن ما أثار الانتباه نمط الخطاب المباشر والصريح الذي ألقاه وزير الداخلية الاشتراكي الجديد، مانويل فالس، أثناء افتتاحه مسجد ضاحية «سيرجي»، شمال باريس، قبل أيام. فالوزير الذي يعتبر بحكم منصبه مسؤولا عن العقائد في فرنسا، ندد بما وصفه بـ«الانقسام والأنانية والتنافس» بين ممثلي المسلمين في البلد. فهل يكون رمضان مدخلا لإجراءات من نوع جديد في التعامل مع مشكلة عتيقة؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام ، أملاً ان يعيد الله العلي القدير شهر رمضان على كل المسلمين بالخير واليمن والبركات وأن يتقبل منهم صيامهم وقيامهم ، وكل عام والجميع بألف خير .