تحرص القوى الغربية والعربية على ابلاغ السلطات الرسمية على مختلف مستوياتها ان عليها العمل من اجل تجنيب لبنان أي تأثيرات سلبية بتداعيات ” الربيع العربي ” وخاصة الأزمة السورية التي تعتبر الأكثر تعقيداً والأكثر قابلية لأن تصيب بشظاياها المنطقة بأكملها . ورغم هذا الحرص فإن لبنان يمر الأن بظروف صعبة جداً دون ان تصل بعد الى مرحلة خطرة لأن القوى السياسية المحلية على مختلف اتجاهاتها ومشاربها مصرة على عدم توريط الشارع بأي مصدامات ذات ابعاد سياسية او طائفية او مذهبية . وهذا لا يعني ان الشارع بمنأى عما يحصل عربياً وسورياً ، كما لا يعني ان الشارع ليس منقسماً افقياً وعامودياً وعلى كافة المستويات والصعد . وبقراءة مبسطة للخارطة السياسية في لبنان اليوم يتبين التالي : – هناك خلاف بين السنة الداعمين بأكثريتهم للثورة السورية وبين الشيعة الداعمين باغلبيتهم للنظام في دمشق . – وهناك خلاف بين سنة متشددين يعتبرون انفسهم جزء من الصراع الدائر في سورية ، وبين سنة يكتفون بموقف سياسي داعم للثورة ، وبين سنة مؤيدين للرئيس بشار الأسد . – وهناك انقسام ايضاً في الصف المسيحي حيث البعض يؤيد الثورة كلامياً والبعض يؤيد النظام شفهياً . – وهناك السلطة التنفيذية الممثلة برئيس الجمهورية والحكومة والتي قررت ان تعتمد سياسة “النأي بالنفس” والتي لم تلق هذه السياسة ترحيباً ممن يؤيد المعارضة السورية لأن لبنان برأيهم معني بما يجري في سورية ، ولأنهم يعتبرون ان ممارسات القوى الأمنية اللبنانية تصب في مصلحة النظام السوري . كما لم تلق سياسة “النأي بالنفس” ترحيباً ممن يؤيد النظام السوري لأن على لبنان برأيهم الوقوف الى جانب سورية وحماية امنها عملاً بالإتفاقيات الموقعة بين البلدين . – وهناك تهريب السلاح على يد تجار لا يهمهم من ينتصر في سوريا بل المهم عندهم من يدفع أكثر . وهؤلاء التجار لا خلفية سياسية لديهم ولا دعم من أي جهة حزبية او رسمية . – وهناك العمال السوريين في لبنان وتعدادهم بمئات الألاف وهم منقسمون بين مؤيد ومعارض وينظمون من وقت الى أخر تظاهرات للتعبير عن مواقفهم . – وهناك الضغوطات الدولية على لبنان التي تطالبه بفتح ممرات انسانية على ارضه وعدم التعرض للمسلحين الهاربين من ملاحقة القوى الأمنية السورية . – وهناك مطار بيروت الذي يستقبل كل وافد عربي او اجنبي ومن بينهم اعضاء في تنظيم القاعدة يصلون الى لبنان وينتقلون منه سراً الى سورية للمشاركة في القتال . – وهناك الصراع الخفي في لبنان بين ايران وأميركا وما له من انعكاسات في الظروف الراهنة . كل ذلك يؤكد ان لبنان يعيش الأن في قلب عاصفة ” الربيع العربي ” دون ان يتأثر بعد أمنياً ، رغم بعض الحوادث الفردية ، لأن الأطراف السياسية اللبنانية تنتظر على يبدو اتضاح مصير ما يدور في سوريا .