عندما اندلعت الثورات في بعض البلدان العربية تولدت قناعة لدى اغلبية المراقبين ان من اسبابها هي البطالة المتفشية في اوساط الشباب العربي ، وتولدت بالمقابل حماسة كبيرة لدى المواطنين الذين راهنوا على ان التغيير سيؤدي حتماً الى مستقبل افضل وأكثر راحة واستقراراً .
ولوحظ ان ما من حركة ثورية قامت سواء في مصر او تونس او ليبيا او اليمن او في سورية اليوم وطرحت مشروعاً اقتصادياً او على الأقل رؤية ما لكيفية معالجتها لأمراض البطالة المتفشية والتي لا تحتمل الانتظار ، لا بل كل ما طرحته هو شعار اسقاط النظام واستبداله بآخر .
وفعلاً سقطت أربعة أنظمة وتسلمت دفة الحكم قيادات جديدة خرجت من رحم الشارع ومن معاناته ، ولكن لم نسمع حتى الآن بأي مشروع لحل جذري للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية . لا بل بدأنا نسمع أن نسبة البطالة ارتفعت بعد الثورة في تونس من 13 الى 18 في المائة . وفي ليبيا وصلت نسبة البطالة في اوساط الشباب الى اكثر من 26 في المائة رغم ان هذا البلد من المفترض ألا يعاني من بطالة قياساً الى عدد سكانه والى ما يمتلكه من طاقات وثروات طبيعية .
وفي مصر كانت المشكلة منذ عدة أسابيع أن الدولة مقبلة على الإفلاس لولا تدخل المؤسسات المالية الدولية في اللحظات الأخيرة . كما أن الحكومة المصرية تفاوض صندوق النقد الدولي الآن من اجل اقتراض 3.2 مليار دولار لأن خزينة الدولة خالية وفارغة ولا توجد اموال لتغذية أي مشروع اجتماعي او اقتصادي .
وفي اليمن فإن الحديث يطول والبطالة ترتفع نسبتها بشكل مذهل الى حد تجاوزت فيه الأربعين في المائة . وكذلك الحال دون ادنى شك في سوريا .
وكل ذلك يحصل في وقت أعلنت فيه منظمة العمل العربية ان عدد السكان في العالم العربي سيصل الى 460 مليون نسمة عام 2025 والى 600 مليون نسمة عام 2050 مما يعني ان هناك اعدادا كبيرة من الأفواه الجائعة التي لن تجد ما يسد رمق العيش لديها والتي ستنتمي جبراً او طوعاً الى جيش العاطلين عن العمل خاصة للفئة العمرية التي تتراوح ما بين 15 و 25 سنة .
وخطورة المسألة هنا ليس فقط في بُعدها الإقتصادي بل ايضاً في بُعدها الاجتماعي حيث تفيد معظم الدراسات المختصة ان من الأسباب المحفزة على السرقات وتعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم وعدم احترام الأنظمة والقوانين هي البطالة.
وقد يتذرع البعض بأن الثورات التي قامت حديثة العهد ولم يتسنّ لها بعد معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية . وهذا صحيح الى حد ما ، ولكن السؤال اين هي الخطط العلمية والموضوعية التي تمت صياغتها هناك؟ وكم من الوقت ستحتاج للتنفيذ؟ وما هي الأدوية المؤقتة التي يجب ان تعطيها تلك الدول للعاطل عن العمل بإنتظار تخليصه لاحقاً من مرضه ؟ مع العلم اننا لسنا ضد هذه الثورات ولكننا ضد ان تتحول الى حركات فوضوية وتتلهى بالمناصب والزعامات على حساب لقمة عيش المواطن .