مما لا شك فيه أن تجارة الأسلحة تستدعي بالضرورة استجلاب الحروب من اجل ان يزدهر عمل الشركات المصنّعة حتى وأن يكن الثمن سقوط الألاف من الضحايا الأبرياء .
هذا الواقع ينطبق بشكل كبير اليوم على منطقة الشرق الأوسط التي تشهد اندلاعاً لحروب كبيرة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن ، وحرب استنزاف في فلسطين، وعمليات ارهابية على ايدي حركات متشددة في الكثير من الدول الأخرى.
يضاف الى ذلك بروز اطماع لدى بعض القوى الأقليمية مثل ايران والتي تؤشر الى احتمال نشوب مواجهات بينها وبين من يرفض الخضوع لهيمنتها او سيطرتها او حتى السماح لها بحق الوصاية على أي دولة او شعب او اتباع مذهب.
ولقد قيل :” لا تبحثوا عن أسباب الحرب في براميل البارود، بل في إهراءات القمح“.
وهذا صحيح . فلهذه الأسباب اندلعت الحرب العالمية الأولى والثانية ، ولهذه الأسباب ايضاً اندلعت في الشرق الأوسط حروب في الربع الأخير من القرن العشرين، وحروب في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ، ولكن مع فارق هو ان القوى الكبرى التي كانت تندلع منها الحروب العالمية لم تعد تشترك بشكل مباشر في الحروب الدائرة حالياً، بل بدأت تنتهج أستراتيجية أخرى عبر دفع الأخرين للقتال بالنيابة عنها الى ان تنضج تسوية ما ، والتي لا يمكن لها ان تنضج إلا بإذن من هذه القوى.
ومعلوم ان الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط ليس لها نفس الأسباب ولا نفس الأهداف لأنها تأخذ طابع النزاعات الأهلية في بعض الدول ، وطابعاً قومياً بين بعض الدول ، وطابعاً مذهبياً او طائفياً بين بعض الجماعات .
ولهذا فإن حل أي أزمة لا يعني بالضرورة حل الأزمات الأخرى إلا إذا شاءت عواصم القرار الدولي ربط هذه النزاعات ببعضها لأنها تكون جميعها قد استنفذت اغراضها ولم تعد تجارة الأسلحة تحقق المردود المطلوب ، فتأتي التسوية ليس حباً بفرض السلام بل من اجل ان تلتزم هذه الدول مشاريع اعادة الإعمار التي هي بدورها مربحة جداً ، كما تجارة الأسلحة. وفي كلتا الحالتين تنعش الاقتصاد الغربي الغارق في ازماته المالية.
ومن خلال رصد مسارات الحروب اليوم في منطقة الشرق الأوسط يتبين ان القوى الكبرى ليست على عجل من امرها لإنهاء أي حرب دائرة ، او تخفيف حدة أي توتر، او ردع أي جماعة إرهابية لأن الوضع العام يؤشرعلى ان منطقة الشرق الأوسط لا زالت سوقاً خصبة لشراء الأسلحة ، ولهذا فإن التفكير بإعادة الإعمار مؤجل الى أمد غير محدد.
وخير دليل على ذلك ما افادت به احدث التقارير الصادرة عن عدة معاهد ومراكز مختصة والتي كشفت أن استيراد السلاح وتصديره لدول الشرق الأوسط تضاعف في السنوات الخمس الأخيرة، ووصل إلى أعلى مستوى له منذ نهاية الحرب الباردة.
وتكشف التقارير عن أنه تم بيع أسلحة لدول الشرق الأوسط في الفترة ما بين عام 2012 إلى 2016، أكثر من أي وقت مضى . أي ان نسبة الزيادة بلغت نحو245 في المائة .
وبذلك قفزت واردات دول الشرق الأوسط ودول الخليج العربية من 17 بالمئة إلى 29 بالمئة، متقدمة بفارق كبير على أوروبا (11 بالمئة) التي شهدت تراجعاً سبع نقاط، والأميركيتين (8,6 بالمئة) متراجعة 2,4 نقطة، وإفريقيا (8,1 بالمئة) متراجعة 1,3 نقطة.
وتلفت التقارير إلى أن كلا من روسيا والولايات المتحدة وفرتا الكم الأكبر من السلاح، بمعدل نصف ما توفر في سوق السلاح، ومن ثم تأتي الصين وفرنسا وألمانيا من بين أكبر خمس دول مصدرة للسلاح في العالم.
وبذلك احتفظت الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى بنحو 33 بالمئة من سوق الأسلحة (زيادة 3 نقاط أي 9,5 مليارات دولار) أمام روسيا (23 بالمئة من السوق وزيادة نقطة واحدة) ثم الصين (6,2 بالمئة وزيادة 2,4 نقطة) وفرنسا (6 بالمئة وتراجع 0,9 بالمئة) وألمانيا (5,6 بالمئة وتراجع 3,8 نقاط).
وأبرز شركات صناعة السلاح في أميركا هي “لوكهيد مارتن” التي تصدرت المرتبة الأولى بحجم مبيعات 35 مليار دولار، تليها الشركة الأمريكية “بوينج” بمبيعات وصلت إلى 30 مليار دولار، بالإضافة إلى شركة “رايثيون” وشركة “نورثروب جومان”.
اما عن روسيا فقد صرح رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف أن عائدات بلاده من تصدير الأسلحة بلغت 15 مليار دولار في عام 2016 لتحتل بذلك المرتبة العالمية الثانية.
المهم أن العرب ينفقون على السلاح اضعاف ما ينفقونه على التنمية ، والغرب ينفق على التنمية من ثمن السلاح المباع للعرب .ومن الصعب جداً استشراف نهاية لهذا الواقع المأساوي .