ليس من باب المبالغة القول إن مركز الدراسات العربي الأوروبي الذي لي شرف رئاسته كان من أهم المراهنين على حتمية تمتين العلاقات العربية الأوروبية وخاصة منها على الصعيد الاقتصادي في وقت كانت كل دوائر القرار الرسمية المعنية بهذا الملف تنعي أي حوار مشترك وتعتبر ان كل المفاوضات بين الطرفين قد وصلت الى طريق مسدود .
وكان لنا شرف تنظيم عدة مؤتمرات وندوات والعديد من طاولات الحوار ، وأصدرنا عشرات المؤلفات ، وعقدنا الكثير من الملتقيات الثنائية بحضور رسميين واستراتيجيين وباحثين ورجال مال وأعمال . وخلصنا الى نتيجة هي اننا استطعنا بجهدنا المضني وبإمكانياتنا المتواضعة اعادة ضخ الدم مجدداً في شرايين الحوار العربي الأوروبي .
ولكم نحن فخورون ان نشهد انعقاد المنتدى الإقتصادي العربي الأوروبي في العاصمة الأردنية -عمـان- خلال الأسبوع المنصرم (20-22 نوفمبر)، وقبل ذلك بسنة في العاصمة اللبنانية لأننا تأكدنا اننا كنا على الطريق الصحيح وأن العلاقات العربية الأوروبية قدر وليست خياراً .
فالعلاقات العربية الأوروبية محكومة بأبعادها الجيو استراتيجية كما انها حاجة اقتصادية هامة لكل الأطراف حيث تستورد الدول الأوروبية نحو 70 في المائة من احتياجاتها النفطية من العالم العربي فيما الدول العربية في شمال إفريقيا تعتمد على الأسواق الأوروبية في تصريف 60-80% من صادراتها.
والدول الأوروبية مصدر هام للدول العربية لاستيراد التكنولوجيا المتطورة والكثير من المعدات والآليات المستخدمة في النقل والمواصلات والاتصالات والزراعة والصناعة وغيرها.
وكما ان الأسواق العربية مفتوحة أمام الإستثمارات الأوروبية فإن الأسواق الأوروبية تشكل مناخاً جاذباً للاستثمارات العربية حيث وصلت قيمتها البينية بين الطرفين الى عشرات مليارات الدولارات . تضاف الى ذلك اهمية الاستعانة بالخبرات المتبادلة في شتى الميادين .
وكل ذلك لا يعني انغلاق العرب عن التعامل مع قوى اقتصادية دولية أخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية أو الصين أو دول شرق آسيا وأميركا الجنوبية ، ولكن تبقى للعلاقات العربية الأوروبية خصوصية بحكم التاريخ والجغرافيا والإرث الثقافي المشترك والتفاعل الحضاري منذ ما قبل العصر الأندلسي وامتداداً الى ما بعده .
ولعل من المفيد الاعتراف بأن العلاقات المشتركة لم تصل بعد الى أرقى مستوياتها ، وذلك ليس بسبب عدم وجود الرغبة ولكن لأن بعض الملفات السياسية في المنطقة العربية والشرق أوسطية تؤثر أحياناً بشكل سلبي ،الأمر الذي يؤدي الى بطء في حركة التفاعل . ولعل هذا ما بات يتطلب اضافة الى الحوار الاقتصادي حواراً استراتيجياً يصب في خاتمة المطاف في صالح الطرفين .