قام الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بزيارة رسمية الى المملكة العربية السعودية يومي 29 و30/12/2013 التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز وكبار قادة المملكة .
وشكلت الزيارة مناسبة للتباحث بين البلدين بكل الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط كما تمت مناقشة سبل تطوير العلاقات المشتركة والمبادلات التجارية التي وصلت عام 2013 الى حدود الثماني مليارات يورو .
والمتابع لأبعاد الزيارة يستشف ان هناك في السعودية بداية تغيير في خارطة تحالفاتها الدولية بحيث بات التنوع في العلاقات الخارجية انطلاقاً من الأقتصاد الى التسلح وصولاً الى التفاهمات السياسية هي محل اهتمام الرياض على اعلى المستويات .
فبعد ان كانت السعودية تعتمد بشكل اساسي على الولايات المتحدة الأميركية بدأت اليوم بفتح ابواب التعاون والتنسيق مع قوى دولية أخرى بما يتوافق مع مصالح المملكة ويخدم تطلعاتها ومشاريعها التطويرية ويوفر لها الأستقرار والأمن ويحفظ لها موقعها الريادي على المستوى الأقليمي والدولي .
فواشنطن التي كانت الحليف الأول بدأت تخسر بعضاً من موقعها بسبب السياسة التي تنتهجها والتي يكتنفها الغموض بشأن الملف النووي الإيراني وبشأن الوضع في سوريا حيث كان من المفترض على الأدارة الأميركية ان لا تتجاهل اهمية تحالفها مع المملكة ، كما كان من المفترض بها ان تأخذ مصالح المملكة بعين الأعتبار حين كانت تتفاوض سراً مع طهران او حين كانت تخطط من وراء الكواليس مع روسيا لتسوية بشأن سوريا من غير الواضح بعد مدى قدرتها على النجاح .
ولعل هذا ما أخرج الرياض عن دبلوماسيتها الهادئة ودفع بها لأن تنتقد واشنطن علناً ،ولكي ترفض ايضاً العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن متعمدة من وراء ذلك افهام الأدارة الأميركية ان للسعودية مصالح حيوية من غير المسموح المس بها او القفز فوقها لأن المملكة ليست ولاية اميركية بل هي دولة ذات مصالح وسيادة وأستقلالية كاملة في اتخاذ القرار .
وبحسب تطورات الأحداث تبين مدى التباعد بين الرياض وواشنطن بشأن الملف السوري والإيراني والمصري واللبناني ، وتبين مدى التقارب بشأن هذا الملفات مع باريس ولهذا جاءت زيارة هولاند الى السعودية لتتوج العلاقات الثنائية على خلفية وجهات النظر المتقاربة التي عبَر عنها بوضوح الرئيس هولاند بقوله :
“نقوم مع السعودية بدعم المعارضة المعتدلة والعمل على التوصل إلى مرحلة انتقالية، وحول جنيف2 سنكون هناك لهذه الأهداف لن نساعد ابدا على التمديد لبشار الأسد ولن نقبل ان يتم استخدام الأسلحة الكيماوية مجددا في سوريا، وهذا موقفنا وموقف المملكة الذي ساعد على الانتهاء من هذا الموضوع، نريد أن ننتهي من هذا الموقف المخيف والمرعب في سوريا من أجل أمن المنطقة ودول الجوار”.
وحول ايران، نوه هولاند أن الملف النووي الإيراني يجب أن يبقى سلمياً، وقال: “نعارض تماما انتشار الأسلحة النووية”. وأضاف: “ما نريده من ايران أفعال لا أقوال، لذا، نطالب ايران باحترام بنود الاتفاق معهم ولن نقوم برفع العقوبات الا اذا تأكدنا بأن ايران لن تسعى الى امتلاك الأسلحة النووية”.
وعن لبنان، أكد هولاند دعم بلاده لضمان وحدة واستقرار لبنان، وأضاف: “لدينا موقف مشترك مع الرياض حول وحدة واستقرار لبنان ونحن نعرف اليوم كم أن وضع لبنان هش، وثلث المجتمع اللبناني حاليا قادم من سوريا بعد الازمة هناك، ونحن نطمأن اللبنانيين بأن بلدهم سيبقى موحدا خلال هذه المرحلة”.
وحول هذا الملف اتفقت الرياض وباريس على تزويد الجيش اللبناني بمعدات عسكرية وتجهزات بقيمة 3 مليارات دولار ليتسنى بواسطتها للجيش اللبناني بسط سلطته ونفوذه وحفظ الأمن والأستقرار في البلاد .وستتولى المملكة تسديد المبلغ ليكون بمثابة هبة للشعب اللبناني .
وحول مصر، قال هولاند: نحن ندعم المرحلة الانتقالية في مصر ونتطلع الى رؤية الاستقرار فيها.
وكان من الطبيعي ان تتم مناقشة ملفات اقتصادية حيث يتطلع الجانب الفرنسي الى التعاون مع المملكة في الصناعات الدوائية والطاقة النووية ومجالات البحث والتبادل الثقافي بين الجامعات.
أما فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية بين الدولتين، لفت هولاند إلى أن “فرنسا لها شراكة عسكرية كبيرة وتعاون مشترك دائم مع السعودية (….) تعاوننا الدفاعي مع السعودية ليس ضد احد ونسعى الى الاستقرار في المنطقة”.
وذكر هولاند بأن السعودية اصبحت “الزبون الاول لفرنسا في الشرق الأوسط”، اذ تجاوزت قيمة المبادلات بين البلدين ثمانية مليارات يورو في 2013 بينها ثلاثة مليارات من الصادرات الفرنسية وإن كان الميزان التجاري يتسم بعجز نظراً لواردات النفط من السعودية. وسجلت العلاقات التجارية الفرنسية السعودية “نتائج جيدة في 2013 مع منح الستوم عقد انشاء مترو الرياض بينما ستقوم فرنسا بتجهيز الحرس الوطني السعودي وكلفت ثلاث شركات فرنسية تحديث الاسطول السعودي. وتتوقع الرئاسة الفرنسية آفاقًا “لامعة” في هذا المجال العام المقبل.