لم يعد خافياً على أحد حجم الأزمة المالية التي تمر بها منطقة اليورو حيث تفيد آخر الإحصاءات ان دولا اوروبية متعثرة بحاجة الى مساعدات عاجلة تبلغ نحو ألف مليار دولار دون ان يعني ذلك حلاً للأزمة بل تدبيراً وقائياً لمنع الدول المتعثرة من إعلان إفلاسها .
وأبرز الدول المتعثرة هي اليونان وإيطاليا ، ومن ثم تليها ايرلندا والبرتغال وأسبانيا بدرجة اقل . وتكمن اسباب التعثر في ديون ضخمة تراكمت منذ عدة عقود على الحكومات المعنية دون أن تلجأ اي منها الى إقرار خطة اقتصادية ناجحة او إلى تنفيذ مشروع تقشفي يضمن سداد الديون دون التأثير على المستوى المعيشي للمواطنين .
ولهذا ارتفعت نسبة البطالة ، وزاد التضخم ، وتراجع النمو العام الى ان أصبحت أزمة الدول المتعثرة هي أزمة أوروبية بإمتياز وليست أزمة وطنية داخلية .
وحاولت السلطات المعنية إيجاد المخارج اللائقة ولكن اصطدمت بعراقيل كبيرة أدت الى فشل كل المخططات الأمر الذي استدعى وضع اقتصاد بعض الدول مثل إيطاليا واليونان تحت وصاية غير رسمية للمفوضية الأوروبية ، كما استدعى الأمر تدخل زعماء اوروبيين في الشأن السياسي لهذه الدول لجهة الطلب من قادتها التنحي وإفساح المجال امام شخصيات أخرى قد تكون أقدر على ادارة شؤون البلاد والخروج بها من نفق أزمتها التي تتخبط بها .
وبما ان هناك علاقة جدلية تربط ما بين السلطة والاقتصاد بحيث تضع كل منهما في خدمة الآخر فقد نمت روابط حميمية ما بين هذين العاملين بحيث كلما كان اقتصاد اي دولة سليماً ومعافى كلما كانت السلطة في مأمن وذات نفوذ ومنعة وقوة ، وكلما كان الاقتصاد ضعيفاً كلما انعكس ذلك سلباً على السلطة بحيث يصبح وجودها مهدداً ومعرَضاً للكثير من المخاطر .
وهنا تظهر المفارقة الكبرى ما بين سلطة لا تعتبر نفسها معنية وتتمسك بمواقعها وتدافع باستماتة عن أخطائها ، وهذا هو حال بعض السلطات العربية التي ثارت شعوبها ضدها بعد ان تفشى الفقر والبطالة وشاع الفساد وتراكمت المديونية ، وما بين سلطة تعترف بأنها مسؤولة عما آلت اليه الأوضاع من تردٍ فتلجأ نتيجة ذلك الى الاستقالة ، وهذا هو حال رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو ورئيس وزراء ايطاليا سيلفيو برلوسكوني حيث تنحى الأول مفسحاً المجال امام المعارضة لقيادة البلاد ، فيما الثاني سيستقيل اواخر الشهر الجاري على ابعد تقدير بعد اعترافه بأن بلاده اهم من رئاسته للحكومة .