أصدر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أمراً ملكياً قضى بتسمية عشرين في المائة من مجلس الشورى من النساء أي ما يعادل خُمس العدد الإجمالي للأعضاء .
ويأتي هذا التوجه الملكي الكريم ليؤكد مجدداً مدى حرص خادم الحرمين الشريفين على إعطاء المرأة السعودية كل فرص المشاركة في مؤسسات الدولة في مجالات التنفيذ والتشريع والتخطيط واتخاذ القرار .
ومن المؤكد ان هذا الأمر الملكي قد فاجأ البعض ولكن سيزول هذا الموقف عندما يدرك هؤلاء بالمحسوس أن عضوية المرأة في مجلس الشورى لن تكون اقل فعالية وعمقاً وإدراكاً وإلماماً ومنفعة من عضوية الرجل الذي استأثر بكل شيء منذ سنوات طويلة .
ومن المؤكد ايضاً ان بعضاً آخر قد يرى أن المرأة تستحق حصة ً أكبر مما أعطيت لها ، ولكن سرعان ما سيزول هذا التحفظ عندما يعي الجميع ان خادم الحرمين الشريفين مثل الطبيب الذي يصف للمريض دواء للشفاء ولكن شرط ان يتناول دواءه جرعة وراء جرعة وإلا تحول الدواء الى مسببٍ للداء بدلاً من الشفاء .
فمجتمعنا الذي اعتاد على أعراف وتقاليد وعادات منذ مئات السنوات يلزمه بعض الوقت من أجل ان يغيّر ما هو بالٍ منها وأن يرسخ في اذهانه ما هو متوافق مع حقيقة ديننا وتشريعاتنا وفقهنا .
وتكمن أهمية الخطوة التي أقرها مليكنا أنها تترافق مع خطوات بادر اليها القطاع الخاص والتي صبت جميعها في مصلحة المرأة السعودية .
ويكفي على سبيل المثال لا الحصر أنني اثناء نزولي في احد فنادق العاصمة فوجئت بأن من يعملون في قسم الإستقبال هم من المواطنات السعوديات اللواتي يمارسن دورهن اعتماداً على دراسة وعلم وبموجب شهادات معترف بها من ارقى المعاهد والجامعات الدولية .
ورغم حداثة عملهن إلا انهن أبرزن مدى خبرتهن ودرايتهن وحبهن لما يقمن به والذي هو محل افتخار وتقدير من أغلبية السعوديين على مختلف انتماءاتهم ومواقعهم .
ولعل هنا تكمن اهمية الثقة التي منحها القطاع الخاص للمرأة السعودية ولكن الفضل يعود بالدرجة الأولى لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ( اطال الله بعمره ) الذي أولى شأن المرأة كل الأهمية فكان سنداً لها في علمها وعملها وتخصصها ليتسنى لها مشاركة الرجل اعباء الحياة بكل معانيها ومسؤولياتها .
كما يعود الفضل الى أولياء الأمر والى أعضاء الحكومة الرشيدة الذين ترجموا عملياً توجيهات وتطلعات مليكهم حيث تفيد الإحصاءات الرسمية انه تم توظيف اكثر من 200 ألف امرأة سعودية في القطاعين العام والخاص حتى العام 2012 .
وهذا هو التحدي الكبير ليس فقط للغرب الذي يسيء النظر الى دور المرأة السعودية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وعلمياً وعملياً ، بل هو التحدي الأكبر للعقول المتحجرة في مجتمعنا التي تناصر من غير وجه حق “البيئة الذكورية” رغم علمها انها تخالف بذلك تعاليم ديننا وتشريعات سنتنا النبوية الشريفة .
فما من نص ، ولا من حديث يمنع على المرأة ان تعمل وأن تبقى رهينة منزلها ، لا بل التشريعات الإسلامية تحث الإنسان على العمل وعلى بذل الجهد وعلى المكافحة دون تمييز ما بين انسان ذكر وآخر انثى .
وإذا كان ممنوعاً على المرأة ان تعمل ، وأن تساهم في بناء المجتمع فما معنى ان نعلمها ونرسلها الى المدارس والجامعات ؟ وما معنى ان نطلق عليها تسمية الشريكة لنا في حياتنا ويومياتنا ؟
وإذا كنا نأتمن المرأة على تربية أطفالنا فكيف لا نأتمنها على تسيير أمور مجتمعنا ؟ أليست المرأة هي والدتنا وزوجتنا وأختنا وابنتنا ؟
أليست هي من قيل فيها ان المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها .
فلك مني يا سيدي خادم الحرمين الشريفين ألف تحية وشكر على حكمتك وسعة تبصرك لأنك تمكنت أن تفتح للمرأة السعودية كوة في جدار الذكورية السعودية والتي من المؤكد ان هذه الكوة ستتحول قريباً الى بوابة تعبر من خلالها المرأة السعودية الى وطن العدالة والإنصاف .