اعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما انه يعتزم البدء بسحب قواته من افغانستان اعتباراً من صيف العام الجاري معتبراً ان الوضع الأمني بات يسمح بإتخاذ مثل هذا القرار الذي ستحذو حذوه كل من بريطانيا وفرنسا . ويأتي القرارالأميركي بشأن افغانستان متناقض تماماً مع ما تمارسه واشنطن من ضغوطات على حكومة نوري المالكي لدفعها بإتجاه الموافقة على التمديد للقوات الأميركية في العراق التي يجب ان تنسحب منه نهاية العام الجاري . وكانت بعض التحاليل قد افادت عند اعلان واشنطن عن مقتل زعيم تنظيم “القاعدة ” اسامة بن لادن بتاريخ 2/5/2011 أن هذا الإعلان هو مقدمة للبدء بسحب القوات الأميركية من افغانستان بحجة ان القضاء على بن لادن هو بمثابة القضاء على الإرهاب من جذوره . ومعلوم ان للولايات المتحدة الأميركية في افغانستان نحو 99 الف جندي سيتم سحب 10 الاف منهم صيف هذا العام و 33 الف جندي قبل صيف العام المقبل ، ومن ثم انسحاب شبه كلي عام 2014 حيث تتسلم القوات الأفغانية المهام الأمنية ليس فقط محل القوات الأميركية بل ايضاً محل قوات الأطلسي لأن كل من فرنسا وبريطانيا ستسحبان ايضاً قواتهما بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية . والقول ان قوات الأطلسي قد انجزت مهامها ليس سوى تحريف وتشويه للواقع الذي يثبت ان “طالبان” تزداد قوة وإنتشاراً في الكثير من المناطق الأفغانية بإستثناء العاصمة كابول التي تعتبر المنطقة الوحيدة التي تفرض قوات الأطلسي سيطرتها عليها بالتنسيق مع القوى الأمنية التابعة للرئيس حامد كرزاي . وهذا يعني انه مع رحيل القوات الأطلسية ستعود افغانستان لتتخبط مجدداً في صراعاتها الداخلية ذات الأبعاد المذهبية والأتنية والقبائلية ، كما قد تعود قوات “طالبان ” لتمهد الأرض لعودة تنظيم “القاعدة ” للتمركز في افغانستان بعد ان تشتت قياداته في مناطق مختلفة من بقاع العالم . وبرأي الكثير من المحللين ان هناك عدة عوامل استوجبت اتخاذ واشنطن قرار الإنسحاب من افغانستان اهمها : – استنفاد الحاجة الى اتخاذ افغانستان قاعدة لمحاصرة ايران ، او لفرض شروط سياسية على باكستان . كما فشلت خطة ترويض طالبان وملحقاتها من تنظيمات اصولية ذات جنسيات متعددة . – الكلفة المذهلة للحرب الأميركية على ” الإرهاب ” في افغانستان حيث بلغت حتى الأن نحو 443 مليار دولار في وقت لا زالت اميركا تعاني من تداعيات الأزمة المالية التي نشبت قبل نحو السنتين . – الحصيلة المرتفعة للضحايا الأميركيين حيث تحولت الحرب على “الإرهاب” الى حرب استنزاف تماماً كما حصل بين المجاهدين الأفغان والقوات السوفياتية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين . – انعدام وجود فائدة اقتصادية من بقاء القوات الأميركية في افغانستان تستحق الصمود والتضحية وتحمل الخسائر المادية والبشرية . وحول هذه النقطة الأخيرة يظهر التباين في المواقف الأميركية حيث تستعجل واشنطن الإنسحاب من افغانستان للحد من الخسائر فيما تمارس ضغوطات كبيرة على حكومة نوري المالكي بهدف التمديد لقواتها في العراق التي تنتهي مدتها نهاية العام الجاري رغم ان القوات الأميركية في العراق باتت عرضة شبه يومية لهجمات من اطراف وتنظيمات مختلفة ، ورغم ان القوات الأميركية تتكبد في العراق خسائر تفوق بكثير حجم ما تتكبده في افغانستان . ولكن المفارقة هي ان لواشنطن في العراق مصالح حيوية هامة ذات ابعاد استراتيجية بحكم ان وجود قواتها في العراق يعني ان اميركا على حدود سورية والسعودية والكويت وإيران وتركيا والأردن والخليج العربي ، ومصالح ذات ابعاد اقتصادية حيث تحتكر الشركات الأميركية مشاريع اعادة اعمار العراق كما تنفرد بأهم العقود النفطية خاصة وان انتاج العراق مرشح ان يصل بعد فترة قليلة الى نحو 5 ملايين برميل يومياً .