على ضوء ما افرزه ” الربيع العربي ” من مستجدات ومتغيرات نظم مركز الدراسات العربي الأوروبي يوم 18/9/2012 في إطار ” منتدى باريس 3 ” ندوة دولية في العاصمة الفرنسية بعنوان ” تحديات العالم العربي الداخلية والخارجية ” وقد شارك فيها نخبة من المفكرين والسياسيين والباحثين من العالم العربي ودول الأتحاد الأوروبي والصين وروسيا وتركيا وإيران ،كما حضرها زهاء 250 شخصاً من جنسيات عربية وغربية متعددة .
وطرحت الندوة اربعة محاور للنقاش تمثلت في التحديات الداخلية للعالم العربي على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي والإعلامي والثقافي والأمني، والتحديات الإقليمية للعالم العربي لجهة ابراز دور تركيا وإيران وإسرائيل ، والتحديات الدولية المتأتية عن الصراع الحاصل بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى ، وكانت الجلسة الأخيرة مخصصة لبحث مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الداعية الى اقامة اتحاد خليجي وما لهذه المبادرة من انعكاسات على الواقع العربي الحالي . وكان من الطبيعي ان يستأثر الوضع في سوريا بإهتمام معظم المشاركين والمحاضرين حيث تباينت التحاليل والقراءات ولكن بقيت ضمن إطار علمي وموضوعي بعيداً عن التشنجات والتوترات التي يشهدها الشارع العربي اليوم .
وأحتل الملف النووي الإيراني صدارة النقاشات ، وكذلك الدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا والدور الدولي الذي تلعبه الصين وروسيا .
وتبين ان هناك وجهتي نظر :
الأولى تمثلها بعض الدول العربية والأوروبية وتركيا وتؤيد ” الربيع العربي ” وما افرزه من متغيرات استجابت برأيها لحركة الشارع الذي عانى من الفقر والمرض والفساد والرشوة والبطالة ، كما تؤيد الوقوف الى جانب هذه الثورات ودعمها ومساندتها لتحقق غاياتها من منطلق ان المساندة هي نتيجة وليست سبباً للحراك الذي حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن ، والذي يحصل في سوريا الأن . وجهة النظر الثانية وعبّر عنها محاضرون من ايران والصين وروسيا والتي اعتبرت ان الحراك الشعبي كان منطقياً ولكن لا يمكن التغافل عن دور الغرب في ذلك وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية التي برأي اصحاب وجهة النظر هذه كانت قد اعدت التحضيرات اللازمة منذ سنوات لقيام انتفاضات شعبية عربية عبر تدريب جيل الشباب على كيفية استخدام الفيسبوك وسائر ادوات التواصل الإجتماعي لتنظيم تظاهرات او حشد تجمعات او رفع شعارات قادرة على الإستقطاب الجماهيري .
ولوحظ ان المواقف التي طرحها اصحاب وجهتي النظر ليست تكتيكية قابلة للمساومة في حال تم طرح أي تسوية لأية ازمة بل هي مواقف تعبّر بشكل واضح عن تحول استراتيجي جديد ينذر بتقسيم العالم الى محورين : احدهما الغرب وحلفائه من العرب وتركيا والأخر تمثله الصين وروسيا ومعها حلفائها من بعض العرب وإيران وبعض دول اميركا اللاتينية .
ولعل الأتفاق الذي اجمع عليه المحاضرون والمشاركون هو ان أزمة سوريا طويلة جداً حيث لا النظام قادر على استعادة سلطته ولا المعارضة قادرة على الإمساك بالسلطة . وهذا يعني ان هناك المزيد من الدماء التي ستراق والمزيد من الأنفس ستزهق . والأتفاق الأخر الذي اجمع عليه المحاضرون والمشاركون هو ان السلطات الجديدة التي تشكلت في دول “الربيع العربي” لا تملك العصى السحرية لحل الأزمات الإجتماعية والإقتصادية مما يعني ان اجواء من انعدام التوازن ستبقى سيدة الموقف مع ما قد يصحب ذلك من اعتراضات وإنتقادات شعبية .
وأياً يكن الواقع العربي وخلفياته او تداعيات ” الربيع العربي ” المستقبلية فإن اهمية الندوة تكمن في انها جمعت على طاولة واحدة اطراف النزاع الإقليميين والدوليين للتحاور بشكل واضح وشفاف دون حاجة الى لبس الكفوف عسى ان يتعمق الحوار الى حد يصبح القادر على حل الأزمات بدلاً من حوار المدافع .