ابتداءً من العام 2019 ستتحول تركيا من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي انسجاماً مع نتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى يوم 16 نيسان / ابريل 2017 .
وهذا سابع استفتاء يجري منذ تأسيس الجمهورية كانت نتيجة ستة منها إيجابية أعوام 1961 و1982 و1987 و2007 و2010، و2017. والنتيجة السلبية الوحيدة سجلت عام 1988.
ووفقا للنتائج التي كشفت عنها السلطات التركية بعد انتهاء عملية الاستفتاء فقد أدلى نحو خمسين مليون ناخب تركي بأصواتهم في الاستفتاء داخل البلاد وخارجها
وبلغت نسبة المشاركة 86% تقريبا من مجموع 55.3 مليون ناخب يحق لهم التصويت في أكثر من 167 ألف مكتب اقتراع في كافة المحافظات الـ 811.
وصوّت في الاقتراع 24 مليونا و763 ألف ناخب بـ “نعم” (أي ما نسبته 51,3%) مقابل 23 مليونا و511 ألفا صوتوا بـ “لا” (أي ما نسبته 48,7%) .
وفيما أعتبر الرئيس رجب طيب اردوغان أن حزبه (العدالة والتنمية) قد حقق انتصاراً كبيراً فقد تحدث أكبر حزب معارض في تركيا وهو “حزب الشعب الجمهوري”، فضلا عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، عن “عمليات تلاعب” خلال الاستفتاء، وأكدا أنهما سيطعنان في نتيجته، ولكن المحكمة الدستورية العليا رفضت لاحقاً هذا الطعن .
وانتقدا خصوصا إجراء أعلنه المجلس الانتخابي الأعلى في اللحظة الأخيرة يؤكد صلاحية البطاقات التي لا تحمل الختم الرسمي لمركز التصويت الذي يجري الاقتراع فيه.
صلاحيات الرئيس :
وتنص التعديلات الدستورية الجديدة على منح الرئيس التركي صلاحيات على رفع إجمالي عدد النواب في البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائبًا، وخفض سن الترشّح للنيابة البرلمانية من 25 إلى 18 عامًا، ويستثنى الذين على صلة بالخدمة العسكرية. وتتضمن المواد إجراء الانتخابات النيابية في البلاد مرة واحدة كل 5 أعوام، وإجراء الانتخابات الرئاسية في اليوم ذاته، وفي حال لم يحصل أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية على الأصوات المطلوبة، ستجرى جولة ثانية وفقا للاجراءات المنصوص عليها. كما يشترط أن يكون سن الترشّح لرئاسة الجمهورية التركية 40 عامًا، وأن يكون المُرشح من المواطنين الأتراك الحائزين على درجة في التعليم العالي.وسيتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب التركي، لمدة 5 أعوام، ولا يمكن للشخص الواحد أن يُنتخب رئيسًا للجمهورية التركية أكثر من مرتين، وفقًا للمواد. كما تنص مواد المقترح على إلغاء القانون الذي يقضي بقطع صلة رئيس الجمهورية المنتخب عن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه.
وسيتمكن رئيس الجمهورية، وفقًا للمواد، من تعيين أكثر من نائب واحد له، وتعيين نوابه والوزراء من بين الأشخاص الذين تتوفر لديهم شروط الترشّح للنيابة، وإقالتهم.ويشترط على نواب رئيس الجمهورية ووزراء الحكومة، أداء القسم الدستوري أمام الجمعية الوطنية التركية. ويتولى رئيس الجمهورية قيادة الجيش، ويحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون.
وتُتيح المواد الجديدة فتح تحقيق مع رئيس الجمهورية استنادًا إلى مقترح تطرحه الأغلبية المطلقة من إجمالي أعضاء البرلمان التركي.
ومن التعديلات الدستورية أيضاً إلغاء المحاكم العسكرية بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية ويحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.
وتسقط العضوية البرلمانية عن النواب الذين يتم تعيينهم في منصب نواب الرئيس أو وزراء. ويمكن للبرلمان اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاث أخماس مجموع عدد النواب.
وبموجب هذه التعديلات ستجري الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
ردود الأفعال الدولية :
ويبدو ان ما جرى في تركيا لم تستسغه كثيراً الدول الأوروبية فتفاوتت لديها ردود الأفعال بين من أعتبر أن ما حصل شأن داخلي تركي مثل (ألمانيا وفرنسا وروسيا واليونان) ، فيما قال وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورز أن الاستفتاء التركي يجب أن يقود الاتحاد الأوروبي إلى وقف انضمام تركيا إلى الاتحاد، مشيرا إلى أن النتائج أظهرت صورة “بلد منقسم”.
وجاء الموقف النمساوي المتشدد تبعاً لما اعلنه رئيس لجنة المراقبين عن البرلمان التابع لمجلس أوروبا سيزار فلوران بريدا من إن الاستفتاء الذي أجري في تركيا لم يحترم كل المعايير الدولية. وأن تغيير طريقة عدّ الأوراق أزال وسيلة مهمة كان من شأنها ضمان عدم وجود عمليات غش.
وتابع أن “حملة الاستفتاء جرت بشكل غير متكافئ، كما أن الفرص لم تكن متساوية للطرفين”، مضيفا أن إجراء الاستفتاء في ظل حالة الطوارئ التي أعقبت المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/تموز الماضي، يعد “انتهاكا للحرية الأساسية”.
اما عن ردود الأفعال الدولية الأخرى فقد جاءت مهنئة من قبل أميركا وعدد من الدول العربية والغربية .
ولكن ماذا ما بعد انجاز هذا الإستحقاق ؟
بحسب المراقبين المختصين بالشأن التركي فإن ما جرى قد يكون له انعكاسات سلبية على مستقبل تركيا السياسي والإقتصادي للأسباب التالية :
1- منحت التعديلات الدستورية صلاحيات شبه مطلقة للرئيس الى حد وضعته خارج إطار أي محاسبة جدية ، وركزت بين يديه كل السلطات دون أي دور للمجلس النيابي أو لأي هيئات رقابية أخرى ممن يعني ان تركيا ستخضع لنظام رئاسي فريد من نوعه على مستوى الكرة الأرضية .
2- من شأن التعديلات الدستورية ان تعطي للأوروبيين ذرائع اضافية لمنع تركيا من الأنضمام الى الأتحاد الأوروبي بحجة أن الحكم بات تحت سيطرة الحزب الواحد ، وأن السلطات باتت بيد الرئيس مما يعني مخالفة كبيرة للأصول الديمقراطية المعمول بها عالمياً .
3- من خلال نتائج الإستفتاء يتبين ان نصف الشعب تقريباً ضد التعديلات والنصف الأخر مؤيد لها وهذا الأمر من شأنه ان يخلق شرخ كبير سيزداد حدة مع مرور الأيام .
4- نتائج التصويت في اكبر المدن التركية مثل (اسطنبول وأنقرة وأزمير وأضنة) كانت ضد التعديلات الدستورية وهذا سيحمل معه خلافات ديموغرافية ليس بالأمر اليسير تجاوزها .
5- من المتوقع ان تقوى شوكة المعارضة التركية وأن تذهب الى المزيد من التحالفات بينها بمواجهة حزب (العدالة والتنمية ) خاصة وأن حوالي نصف الأتراك كانوا ضد التعديلات .
6- من المرجح ان تلقى المعارضة التركية دعماً استثنائياً من دول اوروبية وخاصة من فرنسا في حال فوز المرشح للرئاسة ايمانويل ماكرون الذي ادلى مؤخراً بتصريح أكد فيه إنه “لا يجب أن يؤدي الاستفتاء التركي إلى السيطرة الكاملة على السلطة، وفي حال انتخابي رئيسا، سأمد يدي إلى كل الناس الذين يؤمنون بالديمقراطية”.