لا يخفي الأوروبيون تخوفهم من امساك ” الإسلام السياسي ” بالسلطة في اكثر من دولة اوروبية ، ولذا يتابعون عن كثب التطورات الداخلية في مصر والمواجهة المعلنة بين الرئيس محمد مرسي وأنصاره من جهة والمتفاعلة حاليا على اكثر من مستوى وبين القوى الليبرالية والمعارضة التي توحي بالتحرك ضد خياراته الأخيرة.
وتأتي التفاعلات المصرية بعد اقل من شهر واحد من توقيع مصر والاتحاد الأوروبي على أكثر خطط التعاون الإقليمي الأوروبي طموحا على الإطلاق مع دولة عربية يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عبر إرساء خطة العمل المشتركة وفي حضور عدد من كبار المسئولين الأوروبيين وتوجه لدعم مصر اقتصاديا وماليا وسياسيا وبما في ذلك عبر تمكين مصر من مخصصات مالية من المؤسسات النقدية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهو أكثر ما يهم مصر في المرحلة الحالية.
وراهن الاتحاد الأوروبي رغم وجود تباين بين موقفه والتوجه الذي يقوده الإخوان المسلمون في مصر على تحويل تجربته في التعامل مع السلطات المصرية الجديدة كنموذج للتعامل مع الدول العربية لاحقا وتحديدا تلك التي شملتها رياح التغيير منذ عام 2011 ولكن صعوبة الوضع في مصر والتعقيدات المترتبة عن التطورات الداخلية واحتدام المواجهة بين حكومة مرسي وقطاعات من المؤسسات القضائية وأحزاب المعارضة تجعل الاتحاد الأوروبي في موقف صعب.
ويبدو ان صراعا فعليا يدور هو الآخر في بروكسل من جهة بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة (البرلمان والمجلس وقسم العمل الخارجي ) ومن جهة أخرى بين الدول الأعضاء أيضا لتحديد موقف والية تعمل مع الحكومة المصرية. والتزمت الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية كاثرين اشتون وقسم العمل الخارجي الأوروبي نوعا من التحفظ الواضح في معاينة المستجدات المصرية .ولكن قوى أخرى تدفع نحو إظهار تشدد سياسي في مرحلة أولى قبل الركون إلى استعمال اية تدابير قسرية. وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، إلمار بروك اول من اطلق تهديدات مباشرة تجاه مصر وتلويحه بخفض مساعدات الاتحاد الأوروبي لها في حال تمسك الرئيس مرسي بإجراءاته التي رأى أنها “تقوض السلطة القضائية”.
وقال بروك في تصريحات يوم الثلاثاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012: “إذا اختار مرسي طريق الديكتاتورية فسيتم ضخ أموال (مساعدات) أقل. هذا ما يتعين أن نوضحه له الآن”.
وذكر بروك أن الاتحاد الأوروبي قدم لمصر عقب الربيع العربي مخصصات إضافية شاملة لدعمها في مجالات الاقتصاد والبنية الأساسية وبناء مؤسسات الدولة، وقال: “إننا – الأوروبيين – نعلم أيضا أننا تصرفنا بشكل خاطئ قبل الربيع العربي… يتعين علينا في النهاية تعلم أن الاستقرار بدون حرية ليس استقرارا دائما”.
وأعرب بروك عن قلقه إزاء إمكانية أن يؤسس مرسي دولة إسلامية أصولية في مصر.
وبدوره أطلق غي فورهفستاد رئيس المجموعة الليبرالية في البرلمان انتقادات ضد نظام مرسي منذ الأسبوع الماضي عندما دعا في بيان الى ضرورة التحرك لوقف خروقه المتكررة للتفاهم السياسي في مصر .
وبعد موقف المجموعة الليبرالية يبدو ان البرلمان الأوروبي دخل في موجة مزايدات داخلية .
وأخيرا ويوم 2 ديسمبر/ كانون الأول 2012 وفي خطوة متشددة وغير متعارف عليها حتى الآن طالب رئيس البرلمان الأوروبي، الألماني مارتن شولتس، الاتحاد الأوروبي بالضغط على الرئيس المصري محمد مرسي لتفادي استئثار جماعة الإخوان المسلمين التابع لها، بالسُلطة.
وقال شولتس “يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي واضحا، بلا أي نوع من الشكوك، بأنه لن يكون هناك تعاون أو سياسة أو اقتصاد، دون ديمقراطية تعددية”.
واعتبر ان الضغط الاقتصادي هو اللغة الوحيدة التي يتفهمها “نظام كهذا”، مضيفا أن أوروبا لا يمكنها أن “تعطي المباركة” لاستئثار جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في مصر.
ورأى أن جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي، تسعى لاستغلال المشاعر الدينية لأغراض سياسية .
ويبدو إن التشدد الأوروبي نبع من عدة عوامل وأهمها : – سعي لتوجيه رسائل واضحة لدول مثل تونس والتي تشهد هي الأخرى حراكا سياسيا كبيرا ومخاطر بتفرد الإسلاميين بالسلطة هذه الأيام وسط مناخ من التشنج الاجتماعي والتضييق السياسي والخلافات بين الحكومة التونسية والقصر الرئاسي.
– عدة دول أوروبية ومنها ألمانيا تريد إن تتأكد من إن المساعدات الأوروبية المقدمة للدول العربية لا تستفيد منها التيارات المتشددة وتقنينها بشكل يخدم أيضا المواقف الأوروبية في الشرق الأوسط في وقت بدت فيه أوروبا بدون خط واضح وهو ما تبين في التصويت الأخيرعلى العضوية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ويعتقد العديد من المحللين إن الرئيس مرسي وحتى وان أصر على مواقفه لتمرير الدستور الجديد والإبقاء على تعامل متشدد مع خصومه إلا انه سيقدم تنازلات للطرف الأوروبي في نهاية المطاف بسبب الوضع النقدي والاقتصادي الصعب لبلاده ..
ولكن توحد مخاوف فعلية في بروكسل من ان يقوم أنصار مرسي بإظهارالموقف الأوروبي كسعي من المعارضة المصرية بالاستقواء بالغرب وهي قراءة قد تفرض نفسها في حال انجرار أوروبا في موقف مزايدات داخلية ضد الحكومة المصرية.