لم تمض خمسة اشهر على استلام محمد مرسي سدة الرئاسة في مصر حتى خرجت الى الشارع ” ثورة مضادة ” تتهمه بأنه ” فرعون ” و ” ديكتاتور ” وتسميه ” محمد مرسي مبارك ” نتيجة اقدامه على اقرار نص دستوري منح نفسه بموجبه صلاحيات غير قابلة للطعن بما يتعارض كلياً مع ما كانت لجنة الدستور تعمل على صياغته لجهة تحديد حقوق وواجبات أي رئيس مصري .
ونص الإعلان الدستوري الذي اقره مرسي على اعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين ابان الثورة واكد ان “الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو/ حزيران 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى.”
كما نص الاعلان ايضا على ان “يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري.
وشدد على انه ” لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور.”
وكذلك نص الاعلان الدستوري على ان ” لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون.”
وبالتزامن مع صدور الاعلان الدستوري قرر الرئيس مرسي تعيين المستشار طلعت ابراهيم محمد عبدالله نائبا عاما لمدة اربع سنوات خلفا للمستشار عبدالمجيد محمود.
وما ان تم نشر النص الدستوري الجديد حتى أعلن عدد من القوى السياسية والديمقراطية تشكيل جبهة إنقاذ وطني تكون بمثابة كيان جامع لكل القوى الرافضة للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي.
وأكدت هذه القوى رفضها الحوار مع الرئيس قبل إسقاط الإعلان الدستوري، وحذرت من أنه في حال لم يتم إسقاط الإعلان الدستوري، فإنها ستنشئ قيادة وطنية جماعية من رموز مصر ستكون مهمتها إدارة المرحلة سياسيًا وشعبيًا وجماهيريًا .
كما قررت القوى التي يقودها الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور ،وعمرو موسى وحمدين صباحي المرشحين السابقين للرئاسة ، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد بالإضافة إلى ممثل عن حزب مصر القوية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح دعم الحشد الثوري في ميادين مصر والاعتصام السلمي لجماهير الشعب وشباب الثورة.
وبناء عليه احتشدت جماهير مليونية مجدداً في ميدان التحرير يوم الثلاثاء 27/11/2012 ليس فقط للمطالبة بالغاء الإعلان الدستوري بل ايضاً برحيل الرئيس محمد مرسي فيما لقي هذا الأخير دعماً من الأخوان المسلمين ومن قوى سلفية الذين نزلوا الى الشارع لدعمه ومساندته .
وقبل حصول الحشد المليوني بأيام وقعت مصادمات في عدة مدن مصرية بين انصار مرسي والمعارضة سقط بنتيجتها قتلى وجرحى وتخريب للممتلكات العامة والخاصة بشكل بدا وكأن مصر مقبلة على حرب اهلية. ومشكلة مصر الأن لا تكمن فقط في خلفيات الإعلان الدستوري بل ايضاً لأن ابناء الثورة المصرية من قوى قومية ومنظمات شعبية وطلابية غير دينية شعرت بأنها قد اُستبعدت عن أي دور لها في عملية التغيير التي شهدتها مصر ضد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ، وأن حركة الأخوان المسلمين قد استأثرت بالسلطة سواء عبر مجلس الشورى او مجلس الشعب او الحكومة . كما لوحظ ان مصر بدأت تأخذ اتجاه ديني وفق تشريعات تنظيمية اخوانية مما يهدد التعايش المشترك بين ابناء كل الطوائف والمذاهب.
يضاف الى ذلك مسألة هامة وهي ان الرئيس محمد مرسي لم يستطع حتى الأن من تحقيق أي انجاز لمصلحة الفئات الشعبية التي ثارت ضد النظام السابق حيث نسبة البطالة بلغت رسميا عشرة بالمئة ،ونسبة التضخم تكاد تبلغ العشرة بالمئة ، والحد الأدنى للأجور يصل إلى خمسين دولار شهريا. والأكثر خطورة هو ان عدد المصريين الذين يعيشون تحت الخط بلغت نسبتهم أربعين بالمئة من عدد السكان .
وكل ما يسعى مرسي الى تحقيقه هو استدانة 4.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي مما سيوقع مصر تحت عبء المزيد من المديونية الداخلية والخارجية .
وعليه يمكن التساؤل فيما إذا كانت الثورة قد بدأت تأكل ابناءها او ان ما يحصل هو ثورة مضادة لتصويب الوضع قبل ان تستفحل الأمور ويصبح من الصعب ضبطها والتحكم بمساراتها ؟