تتسارع وتيرة الأحداث في سورية وتجهد قوى اقليمية ودولية من اجل انهاء هذا الملف لصالح احداث تغيير في النظام اسوة بما حصل في مصر وتونس وليبيا وما سيحصل في اليمن . ولكن المفارقة ان روسيا تتعامل مع الملف السوري بشكل مخالف تماماً للطريقة التي تعاملت بها مع ملفات الربيع العربي لما لهذه الدولة من خصوصية وأبعاد اٍستراتيجية ترتبط بمصير المنطقة ككل . فالأميركيون وأن يكونوا ليسوا وراء انطلاق ثورات الربيع العربي إلا انهم تمكنوا من اعادة استيعاب المتغيرات التي حصلت والتحكم بها وخاصة في ليبيا الغنية بثروتها النفطية والتي استأثرت الشركات الأميركية بمعظم الإستثمارات فيها ، وفي مصر الدولة الأكبر في العالم العربي ، وفي تونس والمغرب اللتان تعتبران موطأ قدم هام للتأثير لاحقاً على مجريات الأحداث المرشح لها ان تبدأ عام 2012 في الجزائر الغنية جداً بمادة الغاز . والأميركيون وأن لم يكونوا وراء الثورة التي حصلت في اليمن إلا انه استطاعوا استيعاب تفاعلاتها ليس لغناء هذا البلد الذي يفتقر لكل شيء بل لأنه تحول مؤخراً الى خندق متقدم لتنظيم “القاعدة “الذي فقد وجوده الهام في باكستان وأفغانستان ومن ثم في العراق والذي بدأ يتجه الى تركيز قواعده في مناطق اليمن الجنوبي تحسباً للإنطلاق من هناك بإتجاه شبه الجزيرة العربية . وهذا يعني ان اميركا قد احكمت السيطرة على شمال افريقيا وعلى اليمن ، وبقي ان تحكم سيطرتها على المشرق العربي الذي تعتبر سورية مفتاحه الأساسي والتي إذا ما تم اسقاط النظام فيها فتكون واشنطن قد اصابت من وراء ذلك عدة اهداف: 1 – تكون قد ازالت نظاماً لم يقدم أي تسهيلات بشأن مستقبل السلام في المنطقة وفق الرؤية الأميركية . 2 – تكون قد ازالت نظاماً داعماً لحزب الله وحركة حماس اللذين يعتبران تنظيمان ارهابيان من وجهة نظر اميركا ويشكلان خطراً على اسرائيل . 3 – تكون واشنطن قد افقدت ايران حليفاً استراتيجياً في المنطقة تعتمد عليه لمد نفوذها بإتجاه فلسطين ولبنان. 4 – تكون واشنطن قد ساعدت في ايصال نظام في سورية شبيه بالأنظمة التي يتم تركيبها في ليبيا وتونس ومصر والمغرب واليمن ، والجزائر مستقبلاً . وإذا ما نجح هذا المشروع الأميركي تكون واشنطن قد سيطرت بالكامل على المنطقة وثرواتها اقتصادياً وسياسياً وأستراتيجياً ، وتصبح روسيا في عداد المتفرجين من وراء الكواليس . وحتى دول الأتحاد الأوروبي ستكون جالسة في الصف الثاني وليس الى جانب الولايات المتحدة الأميركية . من هنا استفاق “الدب الروسي” من غفوته وعاد ليفرض نفسه على الساحة الشرق اوسطية متوخياً تحقيق التالي : 1 – اعتبرت روسيا نفسها انها تكبدت خسائر فادحة فيما جرى في ليبيا وتونس ومصر واليمن حيث خرجت دون تحقيق اي مكاسب سياسية او إقتصادية . 2 – باتت روسيا مهددة بشكل مباشر بعد ان نصبت اميركا درعها الصاروخي في تركيا . 3 – تمتلك روسيا قاعدة بحرية استراتيجية على الشواطىء السورية تتيح لها التواجد في مياه البحر المتوسط. 4 – حماية موسكو للنظام السوري يوفر لها حضوراً هاماً في ملف الشرق الأوسط وفي كل التسويات التي يمكن ان تجري بهذا الصدد . 5 – بقاء القاعدة العسكرية البحرية الروسية على شواطىء سورية يجعل الأتراك يفكرون مليون مرة قبل ان يسمحوا للأميركيين بإستخدام الدرع الصاروخي المنصوب في تركيا . 6 – لبنان وسورية من الدول الواعدة نفطياً نظراً لما كشفت عنه التنقيبات الأولية في البحر الأبيض المتوسط. 7 – حماية النظام السوري فيه تسليف موقف كبير لإيران حليفة سورية مما يعني احتمال البدء بالتمهيد لبناء حلف اقليمي دولي على المدى البعيد قوامه روسيا وسورية وإيران وفي مرحلة لاحقة العراق . وعليه فالمسألة ليست مسألة تغيير نظام في سورية او ايصال المعارضة الى السلطة تمهيداً لإشاعة الديمقراطية والقضاء على الفساد والبطالة بل جوهر الخلاف حول من يمسك بالقرار في الشرق الأوسط ولهذا فإن سورية تتخبط اليوم ما بين السندان الروسي والمطرقة الأميركية ..