تبين من وقائع جلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت في نيويورك يوم الثلاثاء 31/1/2012 بحضور وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر أل ثاني وأمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي ان المجتمع الدولي عاجز عن ايجاد حل للأزمة السورية ملتقياً بذلك مع عجز عربي ، مما يشير الى ان الوضع السوري ذاهب نحو حرب استنزاف داخلية طويلة الأمد . فالتحالف الدولي الغربي – العربي يصر على تحميل النظام السوري وحده مسؤولية اراقة الدماء في سورية ويدعو الرئيس بشار الأسد الى تسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مع ما يستدعي ذلك من تعديلات دستورية ، وأقرار سلة من الأصلاحات وذلك على غرار التسوية التي تم التوصل اليها بشأن اليمن .. اما التحالف الصيني – الروسي ومعه سورية وإيران وعدد قليل من الدول العربية وبعض دول اميركا الجنوبية فيرى ان الحل هو في جلوس النظام والمعارضة على طاولة المفاوضات من اجل ايجاد تسوية دون اشتراط اسقاط النظام ودون ادانة ممارساته القمعية لأنه حسب رأي هذا التحالف هو في موقع الدفاع مما يتعرض له من جماعات مسلحة تهدد امن الوطن والمواطن . وفيما يدعم التحالف الغربي – العربي قرار فرض عقوبات اقتصادية على سورية في حال عدم التجاوب مع مبادرة جامعة الدول العربية ومساعي الدول الغربية ، فإن بكين وموسكو تعارضان فرض أي عقوبات كما ترفضان منح أي دولة حق التدخل العسكري لأن من شأن ذلك رفع منسوب التوتر وتهديد المنطقة بأسرها بعواقب وخيمة . ولن يتردد الحلف الموالي للنظام السوري من استخدام الفيتو إذا لزم الأمر مما يعيد الجهود الغربية – العربية الى نقطة الصفر وتصبح أي عقوبات ستفرض على سورية غير شاملة ولا تحظى بموافقة دولية جامعة . وعند ذلك ستكون الإجراءات الغربية والعربية فردية على مستوى كل دولة على حدة وفق ما ترتأيه مصالحها ومنافعها الخاصة . وهذا الواقع لن يمنع التحالف الغربي – العربي من تقديم شتى انواع الدعم للمعارضة حتى على المستوى العسكري رغم وجود ما يشبه القناعة في عواصم القرار العربية والغربية أن المعارضة بوضعها الحالي غير قادرة على الإمساك بالسلطة ، وأن النظام بالمقابل غير قادر على استعادة سيطرته على كامل التراب السوري. وبذلك يبدو ان سورية ذاهبة الى ما يشبه حرب الإستنزاف الداخلية الطويلة الأمد مع ما سيرافق ذلك من كر وفر ، وسيكون المواطن العادي هو كبش المحرقة لأنه سيكون مهدداً بحياته وكذلك بلقمة عيشه خاصة وأن سورية تمر الأن بأزمة اقتصادية نتيجة تراجع مبادلاتها التجارية ، وإنخفاض كميات النفط المعدة للتصدير، وهبوط سعر صرف الليرة ، وتدنى مستويات احتياط البنك المركزي من العملات الأجنبية . وحري بالتنويه هنا ان المجتمع الدولي المنقسم حول كيفية التعاطي مع الملف السوري لا يقوم بذلك حباً بهذا البلد بل لأن هناك مصالح استوجبت من كل طرف اتخاذ الموقف الذي وجده مناسباً . فواشنطن وباريس ولندن وبرلين تتاجر بحقوق الإنسان في الوطن العربي وتدعي انها حريصة على مصالحه، وعلى حقه في التعبير ، وعلى حريته ، وعلى لقمة عيشه لتخفي من وراء ذلك غايات أخرى هي الأهم بالنسبة اليها وتتمثل بالدرجة الأولى في كيفية فك ارتباط سورية عن ايران وفي كيفية منع دمشق من لعب دور الداعم لحركة حماس ولحزب الله ، ولدفع سورية بإتجاه توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل وفق شروط هذه الأخيرة . اما موسكو ومن خلفها بكين فإنما دفاعهما عن سورية ليس حباً بنظامها بل لأن سورية هي المعقل الأخير امام روسيا للحفاظ على مكانة ما في منطقة الشرق الأوسط بعد ان خسرت كل الدول المشرفة على حوضي البحر الأبيض المتوسط ، وبعد ان اصبحت الطرف الأضعف في مسار السلام العربي الإسرائيلي ، وبعد ان خرجت من دول الربيع العربي ، أي من مصر وتونس وليبيا واليمن ، دون أي مغانم او مكاسب . وبذلك تصبح الأزمة السورية ازمة دولية بقدر ما هي ازمة داخلية بين النظام والمعارضة وهذا ما يؤكد بأن الحل ليس غداً وبأن لعبة عض الأصابع قد بدأت والخاسر هو من سيصرخ اولاً . اما عن القوى الإقليمية والعربية فإن دورها واضح ولا يحتاج الى الكثير من التأويلات إذ تتطلع ايران الى بناء محور يمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً الى بيروت فيما تتطلع تركيا الى بناء محور يمتد من انقرة وصولاً الى كل دول العالم العربي بالتنسيق التام مع دول الخليج . وإذا كان احد يراهن على حرب ستشنها موسكو او واشنطن نيابة عن الأخرين فهو مخطىء لأن الإستراتيجية الأميركية ومعها الروسية باتت تعتمد اليوم على “الدبلوماسية المخملية” التي تدير الأزمات سياسياً فقط من وراء الكواليس فيما الحراك العسكري متروك للدول الصغيرة تحت عناوين قومية او طائفية او مذهبية .