جديد المركز

صحوة الدب الروسي والتنين الصيني

عادت الى الواجهة السياسية العالمية الصين وروسيا لتلعبان دوراً يمهد لولادة قطبية متعددة بعد ان تفردت الولايات المتحدة الأميركية بذلك منذ سقوط جدار برلين حتى الأمس القريب . وعودة الحلف القديم – الجديد توضحت صورته مؤخراً في مجلس الأمن حيث استخدمت بكين وموسكو فيتو مزدوجاً لمنع صدور أي قرار يدين النظام السوري ، وللمطالبة بحل الأزمة السورية عن طريق الحوار بين السلطة وأطراف المعارضة . والصحوة الثنائية للدب الروسي وللتنين الصيني هي صحوة لقوة عسكرية كبرى تمتلكها موسكو ، ولقوة اقتصادية عملاقة تمتلكها بكين بحيث يمكن لهما معاً فرض دورهما وصياغة استراتيجية دولية جديدة في مواجهة الإستراتيجية الغربية . ولكن ما هي الأسباب التي ادت الى تخلي بكين عن مواقفها الحيادية في الأزمات الدولية ، وألى عودة موسكو للتلويح بقبضة حديدية بعد ان اختارات لفترات سابقة استخدام القبضة المخملية عبر دبلوماسية ناعمة تبيع وتشتري في سوق المواقف الدولية ؟ . من ناحية موسكو فإنها تتخوف من عدوى انتشار الأنظمة الأسلامية في العالم العربي لتصل اليها في الشيشان على سبيل المثال الأمر الذي يهدد الأمن القومي الروسي ليس فقط في اراضيها البعيدة بل حتى داخل الكيان الروسي نفسه في ظل الحديث عن دراسات تتوقع ارتفاعاً مذهلاً في اعداد السكان الروس المسلمين قياساً الى السكان الأرثوذكسيين . يضاف الى ذلك ان موسكو لن تتخلى بسهولة عن وجودها في البحار الدافئة من خلال اقامة قواعد عسكرية على الشواطىء السورية لما من شأن ذلك جعلها قادرة على امتلاك قوة رادعة في مواجهة شبكة الصواريخ الأميركية على الأراضي التركية ، ومن تحكمها بورقة قابلة للصرف في أي مشروع سلام في الشرق الأوسط . دون ان نتجاهل احتمال ولادة حلف جديد يمتد من ايران ، مروراً بالعراق وسورية ، وصولاً الى لبنان ، وما يمكن لروسيا من لعب الدور الحاضن لمثل هذا الحلف . اما بكين فإنها لم تعد تتخوف من مقاطعتها اقتصادياً من قبل الغرب لأنها اصبحت ضرورة لا غنى عنها في الإقتصاد العالمي ولأن الصين اليوم هي المنقذ لأميركا ولدول منطقة اليورو من ازماتها المالية عبر مئات المليارات من الدولارات التي استثمرتها في سندات خزينة هذه الدول . وبما ان عامل الخوف لم يعد موجوداً ، لذا من الطبيعي ان تبدأ الصين بالكشف عن حقيقة طموحاتها الدولية والتي رأت ان تحقيقها يكمن في اقامة نوع من التحالف الإستراتيجي مع روسيا لمواجهة أي مد أسلامي ، أو اي اعتداء هندي ، او تهديد نفطي يشكل خطراً على صناعاتها ، خاصة وأن الصين تعتبر اليوم من اهم المستهلكين عالمياً لمادة النفط ، ومن اكبر المستثمرين في هذا المجال . وبهذه الطريقة تمكنت الصين شيئاً فشيئاً من تفعيل حق “الفيتو” الذي تتمتع به لإعطاء انطباع ببدايات ظهور تعددية قطبية متنامية، ترسخ مع مرور الوقت ما يشبه أجواء الحرب الباردة. ويذكر أن الصين كانت عادة ما تمتنع عن التصويت بشأن القضايا التي لا تهمها بشكل مباشر، ولذلك فمن بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن المتمتعة بحق النقض “الفيتو” كانت حتى الآن هي أقلها استخداماً لهذا الحق، حيث لم تستخدمه منذ سنة 1971 سوى 8 مرات، مقابل استخدام فرنسا لـ”الفيتو” 20 مرة خلال الفترة نفسها. ويضاف الى ما تقدم مسألة هامة وهي ان واشنطن ومعها دول الأتحاد الأوروبي غارقة في ازمات اجتماعية ومالية وأقتصادية لا يمكن الأستهانة بها وهذا ما انعكس سلباً على مواقعها السياسية على الساحة العالمية في العراق وأفغانستان ، وبمواجهة الملف النووي الإيراني ، وملف السلام في الشرق الأوسط مما يعني ان الفرصة متاحة الأن لكل من بكين وروسيا لإستغلال الضعف الغربي وفرض نوع من الشراكة في ادارة الأزمات الدولية . وما الأزمة السورية اليوم إلا محل تجربة لتعددية قطبية ناشئة وجدت في هذا الملف

فرصة دون ان يكون الدافع شرعية او عدم شرعية النظام السوري ، او بقاء او عدم بقاء الرئيس بشار الأسد .