توصل الأميركيون والروس الى اتفاق يقضي بتنظيم مؤتمر دولي للحوار بين النظام السوري وأطراف المعارضة سيتم عقده في جنيف خلال شهر حزيران / يونيو في وقت تدور معارك على اشدها داخل سوريا من اجل ان يتمكن كل فريق من تحقيق أي انتصار يمكن له ان يعزز من موقفه في جنيف – 2 .
وبموجب الأتفاق تولت واشنطن التواصل مع المعارضة السورية في الخارج لدعوة قادة بصفتهم الشخصية فيما تولت موسكو دعوة قادة من معارضة الداخل والتنسيق مع الرئيس بشار الأسد لتسمية من يمثل النظام من شخصيات لا تشكل استفزازاً لأحد .
ويبدو ان واشنطن قد تراجعت عن شرطها السابق الذي كانت تربط بموجبه مشاركة النظام مقابل اعلان الرئيس بشار الأسد عن استعداده للتنحي وتسليم زمام الأمور الى حكومة مؤقتة رغم التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس باراك اوباما وتلك التي تصدر من وقت الى أخر عن وزير خارجيته جون كيري والتي لا تعكس حقيقة ما يجري وراء الكواليس .
ويبدو ايضاً ان موسكو تراجعت عن التمسك ببقاء الرئيس الأسد وأقنعت واشنطن بأن هذه المسألة تعود الى الشعب السوري .
وإنعقاد مؤتمر الحوار لا يعني على الأطلاق ان ازمة سوريا قد انتهت بل هو بداية مشوار صعب وعقيم ومليء بالأفخاخ لأن الملف السوري لم يعد ملك النظام والمعارضة بل هناك مصالح دولية وأقليمية ، ولكل منها حساباتها الخاصة بها .
وبمعنى أخر ان اطراف الحوار ستجد نفسها منقسمة بين محورين احدهما تقوده اميركا ومن معها ، والأخر تقوده روسيا ومن معها دون وجود لأي طرف محايد توكل اليه مهمة تقريب وجهات النظر او تدوير الزوايا .
والذي دفع بواشنطن وموسكو الى عقد التسوية هو وصول هاتين العاصمتين الى قناعة مفادها أن لا النظام السوري ولا المعارضة قادر على حسم الأمور لمصلحته ، وأنه كلما طال عمر الأزمة السورية كلما امتدت شراراتها الى دول أخرى مثل تركيا وإسرائيل والأردن ولبنان والعراق إضافة الى بعض دول الخليج العربي وإيران .
ومن المؤكد ان الأزمة السورية ليست الوحيدة التي دفعت بموسكو وواشنطن الى التفاهم ، لا بل هناك ملفات أخرى قد تكون قد جرت مقايضة بشأنها مثل الملف النووي الإيراني ، وملف السلام في الشرق الأوسط ، وملف كوريا الشمالية وغيرها والتي ستتضح ابعادها في وقت لاحق .
وطبعاً لن يكون هناك في سوريا رابح لا من النظام ولا من المعارضة وستكون سوريا كبلد ، وسوريا كشعب هما الخاسر الأكبر في ظل الحديث عن سقوط ما لا يقل عن 100 الف قتيل وأضعاف ذلك من الجرحى ، وتدمير كل البنى التحتية ومعظم المدن والقرى التي يقال ان اعادة بنائها تتطلب رصد اكثر من 200 مليار دولار .
ومن المرجح ان تنتهي التسوية في سوريا الى ما انتهت اليه في لبنان بعد نشوب حرب اهلية لمدة 15 سنة ، أي الى توزيع السلطات على اسس طائفية بحيث قد تبقى الرئاسة الأولى للعلويين مع سحب بعض الصلاحيات منها , ومنح رئاسة الحكومة للمعارضة السنية ، ومنح رئاسة البرلمان للطائفة المسيحية . وذلك قد يستدعي ايضاً توزيع الوظائف في المرافق العامة بحسب نسبة التعداد السكاني لكل طائفة او مذهب .
كما من المرجح ان تفرض على سوريا شروط اعادة هيكلة القوى الأمنية لجهة تحجيم عديد الجيش ، وإلغاء بعض الأجهزة المخابراتية ، وتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية في حال وجودها .
والحل طبعاً ليس غداً ، فالتسوية تحتاج الى مؤتمرات ولقاءات وقمم ، وبإنتظار ان تنضج كل هذه الأمور سيسقط المزيد من ابناء الشعب السوري ، وسيتم تدمير المزيد من القرى والمدن .