تنطلق إسرائيل من افتراض مفاده إن الحملة العسكرية الأمريكية المرتقبة ضد سوريا ستضعها أمام جملة من الفرص والتحديات.
فعلى صعيد الفرص الإستراتيجية، فإن تل أبيب ترى إن حملة عسكرية على سوريا، يمكن أن تخدمها في تحقيق الأهداف التالية:
أولاً: تدمير أكبر قدر من القوة العسكرية السورية، سواء على صعيد التقليدي وغير التقليدي. وترى الدوائر الإسرائيلية إن تدمير الدفاعات الجوية السورية، ومخازن السلاح الكيماوي ومخازن الصواريخ بعيدة المدى، يمثل مصلحة إسرائيلية من الطراز الأول. مع تشديد الإسرائيليين على إن ضرب هذه الأهداف لا يؤثر على موازين القوى بين النظام والثوار.
ثانياً: تنطلق إسرائيل من افتراض مفاده إن الضربة العسكرية تحمل في طياتها رسالة ردع لإيران، وهذا ما عبر عنه داني دانون، نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، حيث قال إن العملية العسكرية المرتقبة ضد سوريا ستحمل في طياتها رسالة واضحة لإيران بإن العالم لن يسمح لها بمواصلة مشروعها لإنتاج سلاح نووي، معتبراً إن العملية العسكرية في حال تمت ” ستعزز من صدقية قيادة الرئيس أوباما الذي اعتبر إن حصول إيران على سلاح نووي يمثل ” خطاً أحمر لن يسمح بتجاوزه “. ويذكر إن إسرائيل تعتبر البرنامج النووي الإيراني يمثل ” خطراً وجودياً ” عليها لإنه يسمح بسباق تسلح نووي في المنطقة .
ثالثاً: ترى إسرائيل إن نجاح الولايات المتحدة في تنفيذ الضربة العسكرية سيؤدي بشكل خاص إلى تعزيز مكانة واشنطن في المنطقة، وهذا بحد ذاته يمثل مصلحة استراتيجية من الطراز الأول لإسرائيل. حيث ترى محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب إن استعادة الولايات المتحدة مكانتها في المنطقة سيعزز من المكانة الإقليمية لإسرائيل، كما إن هذا التطور يحسن من فرص استئناف محور الاعتدال العربي لدوره، وهو بحد ذاته يحسن البيئة الإقليمية لإسرائيل، كما قال ألون ليفين، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي الأسبق.
مخاطر سقوط النظام
وعلى الرغم من إن الأمريكيين قد أبلغوا الإسرائيليين إن الحملة العسكرية على سوريا – في حال تمت – ستكون محدودة ” خنجرية ” ولن تؤثر على موازين القوى بين النظام وبين الثوار، إلا إن إسرائيل تخشى إن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، بحيث تسفر الحملة عن تغيير جذري في موازين القوى لصالح الثوار، بشكل يؤدي إلى اسقاط نظام الأسد. ولا خلاف بين دوائر التقدير الإستراتيجي في تل أبيب على إن بقاء نظام الأسد هو أفضل الخيارات ” السيئة “. وقد عبَر عن هذه المخاوف الجنرال عوزي ديان، الذي شغل في الماضي منصب نائب رئيس أركان الجيش ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس مجلس الأمن القومي. فقد شدد ديان على إن بقاء نظام الأسد هو أفضل الخيارات السيئة، محذراً من إن إسقاط النظام يعني السماح ببناء قواعد لـ ” حركات الجهاد العالمي ” بالقرب من حدود إسرائيل. ويسخر ديان من الحجج القائلة بإن إسقاط نظام الأسد سيبعد إيران عن المنطقة، مشيراً إلى إن التنظيمات الإسلامية السنية ستهدد النظام الأردني، أوثق حلفاء إسرائيل، وستعمل من داخل الأراضي الأردنية، علاوة على إنها ستحسن من قدرتها على العمل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. ومن أجل التأثير على نتائج الحملة العسكرية، فقد حرصت إسرائيل على المشاركة في التخطيط للحملة، وذلك من خلال وفد رسمي توجه إلى واشنطن لهذا الغرض. وضم الوفد كل من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعكوف عامي درور والجنرال نمرود شيفر، رئيس شعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي حيث أجريا لقاءات مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايتس بهذا الخصوص.
وأشارت صحيفة معاريف إلى إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال أفيف كوخافي قد توجه في وقت سابق لواشنطن لتقديم معلومات استخبارية تساعد الأمريكيين على تحديد قائمة الأهداف المرشحة للضرب.
اطمئنان إلى عدم ردة فعل النظام وحلفائه
وعلى الرغم من تهديدات المتحدثين باسم النظام السوري بالرد عبر استهداف إسرائيل في حال تعرضت سوريا للهجوم، فإن هناك اجماع داخل محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب بإن فرص قيام الأسد باستهداف اسرائيل ضئيلة جداً. وقد تجلت درجة الإطمئنان الإسرائيلي في قرار الحكومة الإسرائيلية بتجنيد عدد محدود جداً من قوات الاحتياط.
ففي اسرائيل يرون إن النظام لن يقدم على استهداف إسرائيل لإنه يعلم إنه سيخاطر بردة فعل اسرائيلية كاسحة تؤدي حتماً إلى تغيير موازين القوى لصالح الثوار، علاوة على إن الإسرائيليين نقلوا رسالة للأسد عبر مبعوثين أجانب مفادها: ” عليك أن تتحمل ضربة أمريكية محدودة وتجلس بهدوء، لإنه في حال قمت باستهدافنا فإن ردة فعلنا ستكون من القوة بحيث تؤثر على مستقبل نظامك “.
وتستشهد اسرائيل بالتصريحات التي أدلى بها تحديداً وزير الخارجية السوري وليد المعلم، والذي تجنب توجيه أي تهديد لإسرائيل في حال تعرض نظام الأسد لهجوم أمريكي.
وتعتبر المحافل الرسمية الإسرائيلية إن تصريحات الوزير المعلم تتوافق مع التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية التي تؤكد إن بشار الأسد لا يضع في اعتباره مهاجمة إسرائيل كرد على أي هجوم أمريكي تتعرض له سوريا. ويرى الإسرائيليون إن الذي يدفع للاعتقاد إن الأسد لن يتجه للرد على إسرائيل إدراكه إن الهجوم الأمريكي سيكون محدوداً وانتقائياً بشكل لا يمكنه إن يشكل تهديداً للنظام.
وحسب تشيكو منشه المعلق السياسي في الاذاعة العبرية الثانية، فإن الإمريكيين معنيون بايصال رسالة للاسد مفادها: ” بإمكانك أن تواصل قتل شعبك بكل الوسائل باستثناء السلاح الكيماوي “، على حد تعبيره. وأشار منشه إلى إن العملية الأمريكية ستتجنب المس بأي من مواطن القوة العسكرية التي تؤثر على ميزان القوى بين النظام والثوار، مثل المطارات العسكرية ووحدات الجيش السوري الفاعلة في المواجهة مع الثوار، علاوة على تجنب المس بأي من مؤسسات النظام السياسية ورموز الحكم، سيما المرتبطة ببشار الأسد.
وفيما يتعلق بموقف حزب الله، فإن اسرائيل تستبعد مشاركته في الرد على أي هجوم تتعرض له سوريا، لسببين: معارضة ايران، ورفض الجبهة الداخلية اللبنانية.
وحسب التقديرات الاستخبارية في إسرائيل فإن إيران لن تسمح لحزب الله بالرد على ضرب سوريا خشية أن تؤدي ردة الفعل الاسرائيلية إلى تآكل قوة الحزب، مع العلم إن الإيرانيين يريدون الاحتفاظ بقوة حزب الله لكي يلعب دوراً في الرد على أي عمل عسكري تقوم به إسرائيل ضد ايران.
في الوقت ذاته، فإن الإسرائيليين يرون إن البيئة الداخلية اللبنانية باتت صعبة جداً لحزب الله لدرجة إنه ليس بإمكانه تبرير أو تسويغ المخاطرة بدفع لبنان إلى اتون مواجهة مع اسرائيل يستهدف فيها مرافق البنى التحتية.