جديد المركز

لبنان : حكومة ميقاتي ورهان الغرب

بعد نحو خمسة اشهر من الإتصالات والمفاوضات تمكن الرئيس نجيب ميقاتي من تشكيل حكومته المؤلفة من 30 وزيراً والتي تضم قوى الأكثرية الجديدة التي تشمل حزب الله وحركة امل وكتلة وليد جنبلاط وكتلة نجيب ميقاتي وكتلة حركة الإصلاح والتغيير بزعامة ميشال عون . كما انضم الى الحكومة الرئيس ميشال سليمان عبر تسمية وزيرين محسوبين عليه ، فيما تم كلياً استبعاد قوى 14 اذار بعد ان فشلت المباحثات المتعلقة بمشاركتها في الحكومة الجديدة . ومع اعلان التشكيلة الجديدة للحكومة بدا ان الإنقسام السياسي في لبنان قد زاد عمقاً ليس فقط بين تيارين متباعدين في الرؤى السياسية والإقتصادية والإجتماعية بل ايضاً بين مشروعين احدهما يوالي ايران وسورية والأخر يوالي الغرب وحلفائه الإقليميين . ولعل هذا ما يؤشر الى ان المرحلة المقبلة سيشهد فيها لبنان الكثير من النزاعات والمهاترات ما بين الفريق الحكومي الذي سيحاول ان يقدم نموذجاً جديداً في الحكم من منطلق انه يعتبر نفسه انه يمثل الأكثرية النيابية غير المسؤولة عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتردية السائدة في البلاد والتي يقع على عاتقه الأن ايجاد الحلول المناسبة بشأنها ، وما بين فريق كان منذ العام 2005 في السلطة ويعتبر انه تعرض لإنقلاب اطاحت به عبر استقالة اكثر من ثلث الوزراء من حكومة سعد الحريري التي تقول عنها قوى 14 اذار انها كانت حكومة وحدة وطنية غير اقصائية كما هي برأي هذه القوى حال حكومة ميقاتي الأن . والإنقسام الداخلي هو انعكاس للإنقسام الإقليمي والدولي بشأن الملف اللبناني ، ولهذا فإن الغرب يتطلع الأن بحذر الى التركيبة الحكومية الجديدة ويحاول ان يضع لها اجندة عمل اشبه ما تكون بخارطة طريق للمستقبل حيث تشترط على حكومة ميقاتي ألا تتنكر للقرارات الدولية وخاصة منها القرار المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري ، وألا تتحول الحكومة الى منصة للدفاع عن المصالح السورية والإيرانية في لبنان ، وألا يصبح لبنان خندقاً متقدماً يتم من خلاله تهديد أمن اسرائيل . وتقول واشنطن وباريس ومعهما الأتحاد الأوروبي انهم ينتظرون جميعاً البيان الوزاري لمعرفة ما سيتضمنه بشأن خارطة الطريق الغربية ، وعلى ضوء ذلك ستتقرر طبيعة العلاقة بين المجتمع الدولي وبين هذه الحكومة التي يطيب لقوى 14 اذار تسميتها انها ” حكومة دمشق ” او البعض يقول انها ” حكومة ايران ” او ” حكومة حزب الله ” . الى ما هنلك من تسميات ذات دلالة عن عدم رضى قوى 14 اذار عن هذه التركيبة وإستعدادها للبدء منذ الأن بمواجهتها الى حد ان البعض هدد باللجوء الى الشارع لإسقاط هذه الحكومة فيما قال البعض الأخر ان قوى 14 اذار ستشكل ” حكومة ظل ” لمراقبة أدق التحركات التي ستقوم بها حكومة ميقاتي . وهناك في قوى 14 اذار من يقول ان عمر الحكومة لن يطول اكثر من ثلاثة اشهر موحياً من وراء ذلك ان النظام السوري سيسقط بعد هذه الفترة وعندها ستسقط ايضاً حكومة ميقاتي . ويبدو ان الرئيس ميقاتي ومعه حلفائه الجدد قد قرروا عدم الرد على كل ما سيتعرضون له من انتقادات وتهم مفضلين ان يتفرغوا للعمل ولتحقيق الإنجازات لأن مثل هذه الخطوات برأيهم ستكون الرد على المنتقدين . وبناء على ذلك اعلن الرئيس ميقاتي فور تشكيل الحكومة انها ستكون ” حكومة كلنا للوطن .. كلنا للعمل ” . ولا أحد ينكر ان امام الحكومة الكثير من الإستحقاقات التي لا يمكن التساهل بشأنها او تجاهلها وهي إما ذات ابعاد داخلية او ذات ابعاد اقليمية ودولية . وعلى سبيل المثال لا الحصر يعاني لبنان في الداخل من ازمات اجتماعية وإقتصادية خانقة وأزمة مديونية تصل الى اكثر من 50 مليار دولار وذلك في ظل حال من الترهل تعيشها المؤسسات الرسمية حيث هناك شغور في الوظائف الهامة ، وفساد مستشري في كل الإدارات ، وهبوط كبير في مستوى التعليم الرسمي ، وضعف في مستوى الخدمات الطبية ، وحاجة كبيرة الى التجديد في البنى التحتية وخاصة في قطاع الكهرباء حيث التقنين على اشده وفي قطاع الماء حيث لا تتمكن هذه المادة الحيوية من الوصول الى المنازل في بلد يعتبر من الدول الغنية بثروتها المائية . كما هناك ثروة نفطية واعدة في المياه الإقليمية اللبنانية بحاجة الى من يوليها ما تستحقه من اهمية لإستخراجها والإستفادة من ريعها . ويضاف الى ذلك مصير سلاح المقاومة الذي هو محل خلاف كبير بين اللبنانيين . وعلى المستوى الإقليمي والدولي هناك مستقبل العلاقة مع دول الجوار ، والملف الفلسطيني وما له من تداعيات على مستقبل التوطين في لبنان ، والصراع الإيراني – الغربي ، والقرارات الدولية وخاصة القرار 1701 ، والمحكمة الدولية وقرب صدور القرار الظني الخاص بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري . كما هناك افرازات الثورات العربية وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على لبنان . وبمنظور اٍستراتيجي هناك تخوف من وجود مشروع غربي يرمي الى تقسيم المنطقة العربية مع ما يستدعي ذلك من تهيئة الأجواء المناسبة التي قد تكون بدايتها اثارة حروب مذهبية سنية – شيعية في بعض المناطق او حروب طائفية مسيحية – اسلامية في مناطق أخرى . وبمعنى أخر فإن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد ولدت في احلك الظروف وفي ظل تحديات متنوعة ستواجهها ، ولكن من المبكر التنبؤ بمدى قدرتها على مواجهتها خاصة وأنه من غير الواضح بعد ما إذا كان الغرب سيهادن هذه الحكومة ام سيعمل مبكراً على مواجهتها .