يعتبر لبنان من اكثر الدول العربية تأثراً بالأزمة السورية نتيجة التداخل الجغرافي والإجتماعي والسياسي والأمني بين البلدين ، إضافة الى انقسام اللبنانيين بين من يدعم النظام السوري وبين من يطالب برحيله الأمر الذي ينذر بإحتمال تفاقم النزاعات السياسية مع ما يستدعي ذلك من استخدام للسلاح ، كما ينذر بأن تتحول تداعيات الأزمة السورية في لبنان الى مواجهات ذات طابع طائفي ومذهبي . ولقد كانت الشرارة الأولى ما حدث في طرابلس مؤخراً حين اقدمت قوة من جهاز الأمن العام اللبناني يوم السبت في 12/5/2012 على إعتقال “السلفي” المدعو شادي المولوي بعد ان اوهمته ان هناك مساعدة مالية قد صرفت له من مكتب العمل الإجتماعي التابع لوزير المالية محمد الصفدي . ووفق المصادر الإعلامية جاء اعتقال مولوي بناء على معلومات من وكالة الإستخبارات الأميركية ( سي أي أيه ) وتفيد بوجود ” خلية ارهابية ” في لبنان تنتمي الى تنظيم ” القاعدة ” وتخطط لإغتيال بعض القادة السياسيين ومنهم الرئيس نبيه بري والوزير علي حسن خليل ومدير الأمن العام السابق اللواء جميل السيد . وما ان تم اشاعة خبر اعتقال شادي المولوي في طرابلس حتى هبت اطراف سلفية متعددة فقطعت الطرقات وأشعلت إطارات السيارات ، وأنتشر مسلحوها في الأحياء وطالبت بالأفراج عنه فوراً . ولم تمر سوى دقائق محدودة حتى تحولت طرابلس الى ساحة حرب بين منطقة باب التبانة ( سكانها من السنة ) وبين منطقة بعل محسن ( سكانها من العلويين )، كما بين مسلحين سلفيين وبعض عناصر الجيش وسقط نتيجة ذلك نحو 12 قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً. وعلى ضوء ذلك تكثفت الإتصالات على اعلى المستويات بين الجهات الرسمية والقيادات الطرابلسية ودعت جميعها الى ضرورة ضبط النفس وإفساح المجال امام الجيش ليأخذ دوره في حفظ الأمن . وفعلاً تمكن الجيش من إعادة انتشاره في المدينة وضبط الأمن . والذي ساهم في لجم الوضع هو ان الذين تحركوا في الشارع بأسلحتهم لم يجدوا من يغطيهم سياسياً من القوى الأساسية الموجودة على الساحة الطرابلسية حيث ان القرار كان عند الجميع هو وقف أي عمل عسكري وعودة الإستقرار وتسليم زمام الأمور الى الجيش . وحسب ما ذكرت وسائل اعلامية ان لدى الأجهزة الأمنية معلومات تفيد “بوجود مخطط لإغتيال عدد من القادة اللبنانيين على يد مجموعة مؤلفة من شاب اردني هو عبد الملك عبد السلام وشاب قطري اسمه عبد العزيو العطية بالتنسيق مع اللبناني شادي المولوي” . وفيما شككت قوى 14 اذار بمصداقية هذه المعلومات وأعتبرت ان ما حدث في طرابلس هو رسالة سورية الى من يقف مع المعارضة وأن النظام السوري هو من فجر الوضع في طرابلس لإحداث فتنة مذهبية ، فقد اعتبرت اوساط في قوى 8 اذار ان ما حدث انما هدفه التالي : – اضعاف الجيش في منطقة الشمال تمهيداً لتعزيز عمليات تهريب السلاح والمقاتلين الى سوريا . – الإنتقام من الجيش اللبناني لأنه تمكن من مصادرة الباخرة التي تحمل اسلحة ( لطف الله – 2) يوم 27/4/2012 ، ومن مصادرة سيارتين محملتين بالذخيرة يوم 8/5/2012 . – تحويل طرابلس الى مربع أمني للسنة مقابل المربع الأمني للشيعة في ضاحية بيروت الجنوبية . ولقد قال ذلك بوضوح أحد القادة السلفيين في طرابلس حيث دعا الى ” ضاحية في الشمال مقابل الضاحية في بيروت ” . – تحويل منطقة الشمال الى منطقة عازلة وملجأ للمعارضة السورية . – تحويل مطار “القليعات ” الى مرتكز لوصول الأسلحة الى المعارضة السورية . – محاولة اضعاف الرئيس نجيب ميقاتي في مدينته عبر اظهار عجزه عن توفير الأمن . وبرأي اوساط قوى 8 اذار ان هذا المشروع قد سقط حتى اشعار أخر لأن الذين حرضوا عليه لم يلقوا أي احتضان من قوى سياسية اساسية على الساحة الطرابلسية وخاصة من تيار المستقبل ، ولأن الموقف الذي اصدرته واشنطن وباريس بيَن ان لا غطاء دولي ايضاً لما جرى في طرابلس . فقد اعربت السفيرة الأميركية لدى لبنان مورا كونيللي بعد لقائها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في السراي الكبير، عن قلق الولايات المتحدة من الوضع الأمني في طرابلس وأثنت على جهود الحكومة لنزع فتيل الوضع الراهن” . ومن جهتها دانت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان “اعمال العنف ” مؤكدة وقوفها الى “جانب السلطات اللبنانية في استعدادها لتهدئة التوترات الداخلية في سياق الأزمة السورية”. وإذا كانت الأوضاع قد هدأت الأن إلا ان النار لا زالت تحت الرماد ومن المحتمل ان تندلع مجدداً لأي سبب أخر لطالما ان الوضع في سوريا يذهب يومياً بإتجاه التأزيم وليس بإتجاه الحل . ويبدو ان السعودية هي الوحيدة القادرة على لجم الأوضاع وأعادة الأمور الى نصابها بالنظر للمكانة التي تحظى بها لدى كافة الأفرقاء اللبنانيين ، ولهذا تم عقد اجتماع بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبين السفير السعودي في لبنان علي العسيري حيث اقترح بري على سفير المملكة ان تضغط بلاده بإتجاه اعادة احياء طاولة الحوار بين القوى اللبنانية المتعددة لوضع حد للخطر المحدق بمدينة طرابلس والذي إذا ما تفجر امنياً فإن شظاياه ستصل الى مختلف المناطق اللبنانية دون استثناء .. وحسب ما اوردت وسائل الإعلام فإن السفير العسيري سيتشاور مع قيادة بلاده بهذا الشأن خاصة وأن الرياض كانت على الدوام من الساعين الى تحييد الساحة اللبنانية عن دائرة الصراعات ، كما كانت من السباقين في الحرص على استقرار وأمن لبنان.