عند الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة 19/10/2012 دوى انفجار كبير في سيارة مفخخة في احد شوارع منطقة الأشرفية الضيقة تبين بعد 3 ساعات انه كان يستهدف رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن الذي قتل على الفور وتناثرت جثته الى اشلاء هو ومرافقه المؤهل الأول احمد صهيوني . وتم التعرف على جثمان العميد الحسن من خلال ساعته وجزء من مسدسه وحذائه . ونتج عن الإنفجار الذي قدر وزنه ما بين 60 و 70 كلغ من مادة شديدة الإنفجار مقتل سيدة لبنانية ايضاً تدعى جورجيت سركيسيان كما اصيب بجروح متفاوتة ما بين خطرة وجروح طفيفة نحو 125 شخصاً إضافة الى تهدم منازل وحرق سيارات وتدمير محلات تجارية .
وأفادت التحقيقات الأولية ان العبوة كانت موضوعة في سيارة مسروقة من نوع تويوتا RAV 4 وأنها ركنت في مكان انفجارها قبل ساعات وهي مسروقة منذ العام 2011 من منطقة في جبل لبنان ،وأن الأنفجار حصل عندما كان العميد وسام الحسن يمر في الشارع في سيارة يابانية مستأجرة للتمويه ومعه سائقه فقط .
والعميد وسام الحسن انه لم يكن شخصاً امنياً عادياً بل كان يشكل الدرع الأمني الواقي للكثير من القيادات السياسية اللبنانية حيث غالباً ما كان يزودهم بمعلومات عن مخططات لإغتيالهم .. كما ان العميد الحسن لم يكن رجلاً امنياً لبنانياً فقط بل كان على تقاطع مع اجهزة مخابرات عربية ودولية.
ولعل من الصعب توجيه اصابع الأتهام الى طرف محدد في عملية الإغتيال وأن تكن الأتهامات السياسية التي اطلقتها قوى 14 اذار فور وقوع الجريمة تفيد ان من المرجح ان يكون النظام السوري وراء هذه العملية للرد على كشف الوزير الأسبق ميشال سماحة الذي كان يحمل 24 متفجرة الى لبنان لإستخدامها في عمليات اغتيال تطال قادة لبنانيين ومعارضين سوريين .
ولكنها فرضية من ضمن عدة فرضيات وضعها مدير عام قوى المن الداخلي اللواء اشرف ريفي الذي قال :
– من المحتمل ان تكون سوريا وراء الإغتيال بسبب ملف الوزير الأسبق ميشال سماحة – من المحتمل ان تكون اسرائيل وراء الإغتيال رداً على تمكن العميد الحسن من كشف 36 شبكة تجسس في لبنان .
– من المحتمل ان تكون جهات اصولية متطرفة وراء العملية رداً على اعتقال الحسن قيادات هامة من صفوفها – من المحتمل ان يكون هناك طابور خامس هدفه اثارة الفتنة في البلاد
وذهب في نفس المنحى رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع تغييبه فرضية ان تكون سوريا وراء الإغتيال فيما ربط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بشكل واضح بين اغتيال الحسن وكشف مخطط ميشال سماحة .
هذا وصدرت بيانات شجب وإدانة وأستنكار من كافة القوى اللبنانية دون استثناء وكذلك من السعودية وسوريا وتركيا وإيران وفرنسا وبريطانيا وروسيا وأميركا ودول عربية وأسلامية ودولية أخرى .
ولكن حصل انقسام حول توجيه اصابع الأتهام فجاءت الصورة كالتالي :
– قوى 8 اذار وتحديداً حزب الله وحركة امل لم يتهما أي جهة بأنها وراء الأغتيال والتزمت قياداتها الصمت طيلة ثلاثة ايام اعقبت عملية الأغتيال .فيما وسائل الإعلام المحسوبة على هذه القوى استبعدت فرضية اتهام سوريا ووجهت اصابع الأتهام اكثر بإتجاه اسرائيل .
– قوى 14 اذار ومنذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة عمدت الى اتهام النظام السوري وحلفائه الداخليين والأقليميين أي حزب الله وإيران .
– مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني اصدر بياناً ادان فيه الإغتيال ولكن لم يوجه الأتهام الى أي جهة.
– اما على مستوى الحكومة فقد دعيت الى اجتماع عاجل عقد في قصر بعبدا حيث احالت ملف الأغتيال الى المجلس العدلي ورفضت احالته الى المحكمة الدولية لأنه لا يحق لها ذلك من الناحية القانونية حسب المداخلة التي قدمها وزير العمل القانوني سليم جريصاتي . كما قررت الأستعانة بمحققين اميركيين من جهاز (الأف بي أي) الذين سيصلون سريعاً الى لبنان .
وبما ان قوى 14 اذار حملت الرئيس ميقاتي شخصياً مسؤولية حصول الأغتيال فقد عمد الى ابداء اقتراحه بأن يقدم استقالته ولكن رئيس الجمهورية وسائر القوى الأخرى في الحكومة رفضت ذلك ، وطلب الرئيس سليمان من الرئيس ميقاتي التمهل ريثما يتسنى له اجراء اتصالاته مع كافة اطراف الحوار الوطني لأن رحيل الحكومة يعني وقوع لبنان في فراغ سياسي مما سيفاقم من حجم الفراغ الأمني . هذا الموقف لم يرق لقوى 14 اذار التي اصرت على استقالة ميقاتي وطالبت بأن يصار بعد الإستقالة الى تشكيل حكومة ” سيادية ” من شخصيات مقبولة من كافة الأطراف . ولكن قوى 8 اذار رفضت هذا الطرح معتبرة ان من الصعب تشكيل أي حكومة بديلة .
وعند الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأحد 21/10/2012 تم اجراء تشييع رسمي للعميد وسام الحسن في مقر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي شارك فيه الرئيسين سليمان وميقاتي ،ومن ثم حُمل جثمان الحسن وجثمان مرافقه صهيوني الى ساحة الشهداء وسط بيروت لدفنهما الى جانب ضريح الرئيس رفيق الحريري وسط تشييع شعبي دعت اليه قوى 14 اذار وجمعت من اجله الاف المناصرين من كافة المناطق اللبنانية.
وبعد إداء صلاة الميت القى الرئيس فؤاد السنيورة كلمة كانت حادة جداً ضد الرئيس نجيب ميقاتي دعاه فيها الى الإستقالة فوراً وحمله مسؤولية كل ما يحصل في لبنان ، وألقى ايضاً احد المشايخ ( المفتي صالح الرفاعي – مفتي عكار السابق ) كلمة شديدة اللهجة ضد حزب الله وضد ميقاتي .. وعمد عقب ذلك الصحافي في تلفزيون المستقبل ( نديم قطيش ) الى دعوة المحتشدين الى التوجه الى القصر الحكومي لإحتلاله .
فتحول بذلك التشييع الى فلتان امني كبير حيث منعت القوى الأمنية الاف الشباب من اقتحام أخر حاجز يوصل الى داخل القصر الحكومي .
وفي مناطق لبنانية متعددة عمدت مجموعات من الشباب الى اشعال الإطارات في شوارع عدة في بيروت وجبل لبنان والبقاع والجنوب وأقفلت االطرقات الرئيسية ، وحصلت مواجهات امنية بين بعض المجموعات وبين قوات من الجيش اللبناني وخاصة في منطقة قصقص والطريق الجديدة في بيروت كما اندلعت بحدة جبهة بعل محسن وباب التبانة في طرابلس .
هذا الوضع لم يرق كثيراً لبعض عواصم القرار الدولي حيث زار القصر الجمهوري على عجل سفير فرنسا في لبنان حاملاً رسالة الى الرئيس فرنسوا هولاند تدعو الى ضرورة ضبط النفس والى دعم حكومة الرئيس ميقاتي ، وكذلك فعل السفير البريطاني ومن ثم اتصلت لنفس الغاية وزيرة خارجية اميركا هيلاري كلينتون بالرئيس ميقاتي مما بيّن ان هناك دعم دولي لحكومة الرئيس ميقاتي وأنه من غير المسموح اسقاطها خوفاً من تداعيات ذلك على الوضع العام في لبنان .
وقام يوم الأثنين 22/10/2012 سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن برئاسة ممثل الأمم المتحدة في لبنان بزيارة عاجلة الى القصر الجمهوري وأدلوا عقب ذلك ببيان مكتوب رفضوا فيه حصول أي فراغ سياسي في لبنان وطالبوا بالحفاظ على الأمن والأستقرار.
ويوم الثلاثاء 23/10/2012 وصلت الى بيروت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون حيث التقت بالرئيس ميشال سليمان ومن ثم بالرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جان قهوجي. واشارت اشتون، من السراي الحكومي ، الى ان البعض يسعى لتحييد الانظار عن الوضع في المنطقة بافتعال مشكلة في لبنان. ورأت ان تفجير الاشرفية امر رهيب، معربة عن تخوفها على استقرار لبنان. الى ذلك، ابلغت آشتون رئيس الجمهورية ميشال سليمان دعم الجهود الآيلة إلى الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية وتجنب حصول أي فراغ.
ولعل هذا ما اعطى قوة دفع الى الرئيس ميقاتي حيث نقلت مصادر عنه قوله انه لن يستقيل “وإذا ارادوا المواجهة فليكن” ، فيما قال هو شخصياً “انه لم يقدم استقالته بل قال لرئيس الجمهورية ما كان قد ردده قبل شهور أنه مستعد للاستقالة اذا تم التفاهم على قيام حكومة وحدة وطنية”، مبدياً أسفه لكون شعار “العبور الى الدولة الذي طرحه البعض، صار فجأة عبوراً على الدولة واستباحة للمؤسسات”.
في هذه الأثناء بدأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان اجراء لقاءات خاصة مع اعضاء طاولة الحوار لبحث امكانية تقريب موعد انعقادها وللأطلاع على رأيهم من بقاء الحكومة او رحيلها ، وما هو البديل ..؟ وسمع من قوى 14 اذار موقفاً يفيد انها لن تعود الى طاولة الحوار إذا لم يستقل ميقاتي مما يعني ان لبنان قد دخل في أزمة سياسية حادة شبيهة بنفس الحالة التي سادت عام 2007 والتي افضت عام 2008 الى حصول 7 ايار ومن ثم انعقاد مؤتمر الدوحة !!.
هذه التطورات اعادت لبنان الى دائرة الإغتيالات وبدأت تهدد فعلياً السلم الأهلي في البلاد ، ومن الصعب الجزم ان الهدوء سيعود سريعاً لأن الأوضاع في لبنان باتت مرتبطة الى حد كبير بمجريات الأحداث في سوريا وتتأثر بوتيرتها .