جديد المركز

لبنان يدخل نفق القرار الأتهامي

اعتباراً من يوم الخميس 30/6/2011 دخل لبنان جدياً في نفق القرار الأتهامي الخاص بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث سلم محققون دوليون مدعي عام التمييز في لبنان القاضي سعيد ميزا مذكرات توقيف بحق اربعة اشخاص لبنانيين ينتمون الى حزب الله هم : مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا . ولقد سبق لوسائل اعلام غربية وعربية منذ اشهر ان نشرت بعض هذه الأسماء وسيناريوهات عن كيفية تنفيذ جريمة الإغتيال ومنها مجلة ” دير شبيغل ” الألمانية وقناة “سن ان بي سي ” التلفزيونية الكندية وصحيفتي “لوموند ” و “لوفيغاو ” الفرنسيتين وجريدة ” السياسة ” الكويتية وغيرها . ووفق الإتفاقيات الموقعة بين الدولة اللبنانية وبين المحكمة الدولية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها يجب ان تعمد القوى الأمنية اللبنانية الى اعتقال المطلوبين وتسليمهم الى المحكمة . وفي حال تعذر الوصول الى اماكن سكنهم يصار بعد 30 يوماً الى تبليغهم بواسطة وسائل الإعلام ، وإذا لم يسلموا انفسهم تجري محاكمتهم غيابياً . وكما كان متوقعاً فقد انقسم اللبنانيون بين من يؤيد قرار المحكمة ويطالب الدولة بالقيام بواجبها لجهة القاء القبض على المتهمين ، وبين من اعتبر القرار الأتهامي مسيساً ومفبركاً ويهدف الى خدمة اسرائيل وأميركا خاصة وأن بعض المتهمين هم من قادة المقاومة التابعة لحزب الله . ورغم ان الهدوء اثر صدور القرار الأتهامي كان سائداً في كافة المناطق اللبنانية إلا ان ذلك لا يعني ان هذه الأجواء مرشحة للإستمرار بسبب الإنقسامات الحادة الحاصلة في الشارع اللبناني ما بين قوى 8 و 14 اذار والتي تأخذ في بعض مناحيها ابعاداً مذهبية حيث يعتبر بعض السنة ان زعيمهم هو من تم اغتياله فيما يعتبر بعض الشيعة ان هناك ” مؤامرة ” لإلباسهم هذه التهمة التي تأتي برأيهم من ضمن مخطط يهدف الى اشعال فتنة مذهبية في منطقة الشرق الأوسط . والتهم لم تنحصر فقط في اطراف لبنانية بل يتردد انها ستمتد لاحقاً الى اطراف اقليمية مثل سورية وإيران وسيتم الكشف عن اسماء المتهمين وصفاتهم خلال الأيام المقبلة بعد ان يتم تسليم لوائح الأتهام من المحكمة الدولية الى السفارة السورية والسفارة الإيرانية في لاهاي . ومن المؤكد ان طهران لن تتجاوب مع ما ستطلبه منها المحكمة وكذلك دمشق التي اساساً رفضت توقيع اي اتفاق مع المحكمة وطلبت منها تزويدها بأدلة دامغة تثبت تورط عناصر سوريين على ان تتولى السلطات السورية بنفسها محاكمتهم . وكان حزب الله قبل عدة اشهر قد شن هجوماً لاذعاً ضد المحكمة وكشف بالمناسبة عن معلومات وعن قرائن تتهم اسرائيل بأنها وراء عملية اغتيال الرئيس الحريري . كما شن حزب الله حملة ضد من اسماهم” شهود زور ” من جنسيات لبنانية وعربية ، وطالب بمحاكمتهم لأنهم برأيه ضللوا التحقيق وفبركوا اخبار ومعلومات غير صحيحة كان من نتيجتها سجن اربعة من كبار الضباط اللبنانيين لأكثر من ثلاث سنوات قبل ان يتم الأفراج عنهم لعدم وجود ادلة تدينهم . وما بين الأراء المؤيدة لما صدر عن المحكمة من قرارات وتلك الرافضة لها فمن المؤكد ان لبنان سيمر بمرحلة كبيرة من التوتر السياسي الذي قد تصحبه احتكاكات امنية ولكنها لن تصل الى حد المواجهات لأن الجيش اللبناني على اتم استعداداته حيث لن يسمح بأي فلتان امني اياً تكن اسبابه وظروفه والجهة التي تقف وراءه . يضاف الى ذلك بدأ البعض في لبنان يلوح بإحتمال ان يلجأ المجتمع الدولي الى فرض عقوبات على لبنان في حال عدم استجابة حزب الله لتسليم المتهمين ، او قد يذهب المجتمع الدولي – حسب رأي اخرين – الى احالة موضوع المحكمة الى مجلس الأمن لوضعه تحت الفصل السابع مما يعني احتمال حصول تدخل عسكري غربي . ولكن كل هذه الأمور مجرد تكهنات لأن فرض عقوبات اقتصادية على لبنان ستصيب كل اللبنانيين وبقدر اقل حزب الله الذي لا يملك لا مؤسسات انتاجية ولا مصارف ولا إستثمارات داخلية او خارجية . كما ان احالة ملف المحكمة الى مجلس الأمن لإدراجه تحت الفصل السابع لن يحقق أي نتيجة لأن المواجهة لن تحصل بين قوى عسكرية غربية وحزب الله بل بين قوى عسكرية غربية وأنصار وحلفاء حزب الله وهم يمثلون اكثر من نصف الشعب اللبناني . وهناك من يتوقع ان تكون قرارات المحكمة مقدمة لقيام اسرائيل بعدوان ضد حزب الله في لبنان تحت ذريعة إخضاعه للشرعية الدولية ولكن مثل هذه المغامرة العسكرية تستوجب ضمان نجاحها لأن حزب الله بأفضل استعدادته وجهوزيته ، كما تستوجب عدم تدخل قوى اقليمية لمصلحة حزب الله وخاصة ايران التي لن تسمح بالقضاء على حليف استراتيجي يؤمن لها حضوراً هاماً على البحر الأبيض المتوسط . الواضح إذاً ان لبنان قد دخل نفقاً مظلماً مليئاً بالمفاجأت التي ستظهر نتائجها تباعاً والتي سيكون لها تداعيات كثيرة من المبكر التكهن بها .