ما من حروب خيضت في أي بقعة من العالم إلا وكان لها كلفتها المالية بحسب حجم الحرب وأهدافها وأغراض الذين يخوضونها .
وغالباً ما تسند مهمة تغطية كلفة الحرب الى عدة دول إذا كانت بحجم حرب الخليج الثانية او بحجم الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان. وأحياناً قد تكون أحادية أو ثنائية التمويل إذا كانت بحجم عدوان اسرائيل على غزة أو لبنان أو بحجم مناوشات كما كانت الحال في جنوب السودان أو بين باكستان والهند .
والقوى التي تتحمس أكثر للحروب هي التي لديها مشاريع تريد تحقيقها من وراء الحروب سواء كانت ذات أبعاد اقتصادية أو استراتيجية أو جغرافية أو وقائية أو سياسية .
وهذا هو واقع حال فرنسا التي من أجل حماية مصالحها وإستثماراتها وأمن مواطنيها في أفريقيا لجأت الى خوض حرب ضد حركات أصولية في مالي حيث ارسلت منفردة طائراتها الحربية والمئات من جنودها ظناً منها انها ستتكفل بالخطوة الأولى ومن ثم تفسح الطريق أمام حلفائها من أجل مساندتها سواء باسم حلف الأطلسي او باسم القوات الدولية . ولكن ما كان مفاجئاً لباريس انها بقيت وحدها ولم تتلق إلا دعماً لوجستياً حيث وفرت لها الولايات المتحدة الأميركية طائرات لنقل قواتها فيما دعمتها ألمانيا بمدربين عسكريين مهمتهم إعادة تأهيل الجيش النظامي المالي .
وكانت باريس تعي أنها ستدفع من جيبها فاتورة إشعال الحرب ولكنها لم تدرك أنها ستبقى لوحدها تسدد ثمن هذه الفاتورة ، ولهذا علت صرخة المسؤولين الفرنسيين الذين بدأوا يحتسبون كلفة الحرب وما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني أساساً من أزمة ومن تبعات ما حصل في أوروبا من انتكاسات مالية ضخمة .
ولهذا يقول وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس إن تكلفة الحرب الفرنسية في مالي وصلت منذ أربعة أسابيع إلى حوالي 70 مليون يورو، أي حوالي مليونين ونصف مليون يورو يوميا. واعترف فابيوس أن هذا المبلغ يشكل عبئاً على الخزينة الفرنسية.
ومن جهته اوضح وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أن 50 مليون يورو من بين 70 مليوناً خصصت فقط لنقل القوات الفرنسية وعتادها العسكري. وقال: “لقد قمنا بإيصال حوالي 1000 طن من العتاد العسكري إلى مالي في غضون 15 يوماً فقط”، مضيفاً أن 5 ملايين يورو قدمت كعلاوات إضافية للجنود الفرنسيين المتواجدين هناك.
وإضافة الى ما قاله المسؤولون الفرنسيون فقد علت أيضاً أصوات الناخبين الفرنسيين الذين بدأوا يتساءلون عن الجدوى من هذه الحرب رغم علمهم بأهميتها الأمنية على المستوى المنظور ،ورغم ما تضمنه لباريس من فوائد اقتصادية على المدى البعيد .
ولهذا يحاول الرئيس فرنسوا هولاند امتصاص النقمة عبر الإيحاء ان القوات الفرنسية ستنسحب قريباً لتوفير التكاليف في ظل عجز في موازنة العام المقبل سيصل الى 6 مليارات يورو .