سواء تم اعتقاله او قتله او لو تمكن من الهرب الى الخارج فمن المؤكد ان العقيد معمر القذافي قد اصبح خارج السلطة وأن نظامه الذي استمر 42 سنة قد سقط متيحاً بذلك الفرصة لإحتمال بناء دولة جديدة عسى ان تكون فق اسس عصرية حديثة ، وترتقي الى مستوى طموحات ابناء الثورة وتضحياتهم خاصة وأن اسئلة كثيرة باتت تطرح نفسها الأن حول المستقبل السياسي لليبيا ؟ وشكل نظامها المقبل ؟ ودور القوى السياسية والعسكرية والشعبية التي اججت الثورة في ظل تباين مواقفها وتعدد انتماءاتها وولاءاتها ؟. فمما لا لبس فيه ان الثورة قد انتصرت وحققت التغيير المنشود وأطاحت بنظام ديكتاتوري ، وبات المطلوب الأن البدء بإعداد الترتيبات اللازمة لإقامة نظام بديل قادر على مواجهة التحديات ذات الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية والتي لكل منها خاصية اكثر تعقيداً من ألأخرى . فالمجلس الوطني المؤقت الذي يرأسه مصطفى عبد الجليل يتألف من 40 عضواً لم يظهر منهم على وسائل الإعلام سوى 13 عضو مكلفين بمسؤوليات متنوعة فيما الأعضاء الأخرين بقوا في الظل لأسباب يعذوها البعض الى انتماء معظمهم الى تيارات اصولية لا تحظى برضى الشعب الليبي ولا بقبول لدى المجتمع الدولي . يضاف الى ذلك وجود خلافات كبيرة بين بعض اعضاء هذا المجلس وتحديداً بين رئيسه عبد الجليل المقرب من تنظيم “الأخوان المسلمين ” وبين الرجل العسكري الأقوى داخل المجلس وهو عبد الكريم بلحاج من “الجماعة الإسلامية المقاتلة “المقربة من تنظيم القاعدة ، على خلفية ان عبد الجليل وافق على حكم بالإعدام ضد بلحاج عندما كان الأول وزيراً للعدل في نظام القذافي . وهناك صراع على النفوذ داخل المجلس ايضاً كان من نتيجته قبل فترة وجيزة اغتيال المسؤول العسكري في المجلس اللواء عبد الفتاح يونس الذي كان وزيراً للداخلية في نظام القذافي والذي يتعمد المجلس الأن عدم الكشف عن اسباب اغتياله وعن هوية قاتليه . وفي المجلس خلاف حول مواقف مبدئية حيث البعض متحمس لوطنيته وعروبته ، والبعض متطرف لأصوليته ، وأخرون يتباهون بعلمانيتهم ، ومنهم من امثال احمد شيباني الذي لا يجد حرجاً بالإستعانة بإسرائيل وذلك في حديث ادلى به الى صحيفة ” هأرتس ” قال فيه ان «ليبيا تحتاج إلى أي مساعدة يمكن أن تحصل عليها من المجتمع الدولي، بما في ذلك من اسرائيل»، وعند سؤاله عما إذا كانت الحكومة الليبية المقبلة ستعترف باسرائيل أجاب شيباني بأن «السؤال هو ما إذا كانت اسرائيل ستعترف بنا». ويضاف الى دائرة خلافات اعضاء “المجلس الوطني المؤقت” العامل القبلي المتماهي جداً مع التركيبة الديمغرافية الليبية خاصة وأن غموض يكتنف كيفية تعاطي النظام المقبل مع القبائل التي منها من دعم الثورة تنتمي لشرق البلاد ، ومنها من امثال القذاذفة وورفلة والمقارحة التي ابقت حتى أخر لحظة على مساندتها للقذافي والتي تنتمي الى غرب البلاد . وهناك ايضاً ثوار ” مصراتة ” الذين لديهم قيادة خاصة بهم والذين يرفضون الخضوع لسلطة “المجلس الوطني المؤقت” . وإذا كان “المجلس الوطني المؤقت” قد اعلن ” بيانه الدستوري ” يوم 17/8/2011 ورغبته بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 8 اشهر إلا انه لم يطرح كيفية مواجهة البطالة ، والأزمة الإقتصادية الخانقة ، وأعادة تفعيل قطاعات التربية والصحة ، وإعادة بناء البنى التحتية ، ولا كيفية إعادة جمع السلاح من المواطنين ، ولا تحديد مصير الاف المقاتلين في بلد بات بلا شرطة ولا جيش. وعلى المستوى العربي فمن غير الواضح كيف سيتعاطى النظام الجديد مع دول بقيت مؤيدة للقذافي مثل سورية والجزائر ، وبين دول شاركت في محاربة القذافي عبر مد الثوار بالعسكر والسلاح من امثال قطر والأردن ، وبين دول اكتفت بالدعم السياسي او بتقديم مساعدات عينية . وعلى المستوى الخارجي كيف سيتعامل النظام الجديد مع ما قاله مسؤولون في حلف الناتو من ان هناك نية بالبقاء لعدة اشهر داخل ليبيا رغم عدم وجود أي مبرر ، ومع الدول الغربية التي اشترطت لقاء دعمها الثورة الليبية ان تحتفظ بعقودها النفطية التي سبق ووقعتها مع نظام القذافي . وماذا ستفعل مع دول وقفت محايدة اثناء الثورة مثل الصين وروسيا خاصة وأن بينها وبين نظام القذافي اتفاقيات تجارية وعسكرية ونفطية بمئات ملايين الدولارات . ومن سيتولى اعادة اعمار ليبيا ؟ اميركا التي قد تستأثر بكل شيء كما فعلت في العراق ، ام ستتشارك مع دول اوروبية مثل المانيا وفرنسا وأيطاليا التي تفتش عن ثمن للدعم الذي قدمته للثوار ، ام مع دول شرق اوسطية من امثال تركيا التي خسرت من جراء قيام الثورة مشاريع بقيمة 20 مليار دولار ؟ . كل هذا المشهد لا يزال ضبابياً وغير واضح مما يجعل المستقبل مجهول وأسير مفاجأت اقلها ان تأكل الثورة ابنائها كما درجت العادة او ان تدخل ليبيا في حروب اهلية ونزاعات داخلية سيستفيد منها الغرب ليحكم سيطرته على الثروات الطبيعية التي ما كان له ليدعم الثورة لولاها .