لا يمكن المرور مرور الكرام على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز التي اطلقها في القمة الأسلامية التي استضافتها مكة المكرمة يومي 14 و 15/8/2012 والداعية الى اقامة مركز للحوار بين المذاهب في الرياض لأن العالم الإسلامي بات فعلاً بحاجة الى حوار فاعل وبنَاء من اجل وقف مخطط الفتنة المذهبية الرائجة اليوم والتي تظهر تداعياتها السلبية بوضوح في كل من العراق وسوريا ولبنان وكذلك في باكستان وأفغانستان وبعض الدول الأخرى . وحوار المذاهب لا يلغي اطلاقاً مبادرات أخرى سبق للعاهل السعودي ان اطلقها بشأن حوار الأديان وحوار الحضارات التي جاءت بهدف معالجة اشكالية فكرية – ثقافية نتيجة وجود خلاف عقائدي ديني وفلسفي بين من يعتبر ان الحضارات والأديان تتصادم مثلما ذهب الى ذلك بوضوح صمويل هانتنغتون وفرنسيس فوكاياما وبين من يعتبر انها تتحاور ووتتلاقح مثلما ذهب الى ذلك الكثيرين من مفكري العالم العربي والأسلامي وبعض مفكري الغرب . وهذا الحوار سيبقى مفتوحاً وعرضة لنقاش متواصل خاصة وأن السعودية ليست الوحيدة التي تتبناه بل هناك ايضاً الأمم المتحدة وكذلك الفاتيكان . ومهما طال امد الحوار والنقاش حول هذا الموضوع فإنه سيبقى داخل دائرة تباين وتناقض الأراء والأفكار ولن يصل الى مستوى جرف الناس الى مواجهات دموية او الى تبرير القتل وسفك الدماء . اما عن الخلاف المذهبي فإن خطورته تكمن فيما تصدر من فتاوى وتشريعات تبيح قتل المسلم للأخر المختلف مذهبياً او فقهياً . وما يجري في العراق خير شاهد على ذلك حيث مات الألاف نتيجة احتلال الأميركيين لهذا البلد ، ولكن مات بالمقابل عشرات الألاف نتيجة وجود فتاوى تحلل وضع متفجرات في اماكن وأحياء ودور عبادة تابعة للسنة او للشيعة . وخير شاهد ايضاً ما يجري في سوريا حيث بات جزء هام من الصراع ليس بهدف تغيير مسار نظام سياسي لا يستجيب لمتطلبات شعبه وحقه المشروع في الحرية والعدالة والمساواة والأكتفاء المعيشي وأنما بهدف احداث شرخ كبير بين مكونات المجتمع الطائفية والمذهبية حيث حصلت مجازر بين الدروز والسنة والعلويين والشيعة ناهيك عما طال هذا الصراع ابناء الأديان السماوية الأخرى . وفي لبنان يخطىء من ينكر وجود انقسامات مذهبية حادة تظهر جلياً في الخطابات السياسية وفي التحركات الشعبية في الشارع الى حد ان الثقافة العامة التي باتت رائجة هي ثقافة المذاهب والفرق الأسلامية المتنوعة والتي تتغذى من وجود تيارات وأحزاب بعيدة كل البعد عن الحس الوطني وعن الإنتماء القومي ، والتي لا هم لها إلا ان تكون الممثلة الوحيدة لأبناء طائفتها حتى وأن ادى ذلك الى نشوب حرب اهلية او الى تقسيم لبنان الى إمارات طائفية . والواقع المذهبي ليس بأفضل حال في افغانستان وباكستان او في مناطق أخرى من العالم العربي والأسلامي نتيجة التركيبة الفسيفسائية من مذاهب وطوائف وفرق لا تعد ولا تحصى . وكلما اشتد عصب هذا الصراع فإنه سيفتح جرحاً عميقاً في دول أخرى حتى وأن ظنت انها حتى الأن بمنأى عن ذلك . والبعض يتحدث عن مؤامرة خارجية وعن ايادي مشبوهة تريد تمزيق العالم الإسلامي ، وقد يكون هذا الكلام صحيح الى حد ما ، ولكن الأصح ان المسلمين انفسهم هم من اكبر المسيئين لدولهم وعقائدهم ، ومن يرصد القنوات الفضائية المذهبية يجد في ذلك خير دليل . من هنا تكمن اهمية مبادرة خادم الحرمين الشريفين الذي استشعر خطورة ما هو مقدم عليه العالم الإسلامي من تمزق وتفرقة والذي بات فعلاً بحاجة الى مركز للحوار يوفر الأطر الصحيحة للتواصل والتفاعل والمناقشة دون تعصب او تحيز او جمود فكري . فالمركب الأسلامي يبحر في محيط مليء بالعواصف والأنواء ، وإذا غرق فإنه سيغرق الجميع معه .