نتيجة الأزمة المالية الكبرى التي رزحت دول الاتحاد الأوروبي تحت وطأتها ، وبعد مشاورات عقيمة ومعقدة تمكنت خمس وعشرون دولة أوروبية يوم الجمعة 2 مارس 2012 من توقيع معاهدة انضباط مالي جديدة بهدف منع الانزلاق في العجز، خاصة وأن بعض الدول قد وقعت مجددا في الازمة الاقتصادية وفي مقدمتها اسبانيا وهولندا.
وشكل توقيع المعاهدة الذي تطالب به ألمانيا لقاء تضامنها المالي مع شركائها في منطقة اليورو المحطة الاقتصادية الأساسية في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل التي قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انها « الأولى منذ 2011 التي لا تعد قمة أزمة « .
وتبنت هذه المعاهدة خمس وعشرون دولة من اصل الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي بإستثناء بريطانيا وتشيكيا اللتين لم توافقا على المعاهدة .
وتنص هذه المعاهدة على « قواعد ذهبية « تفرض توازن الحسابات العامة اضافة الى عقوبات تفرض بصورة تلقائية ضد الدول التي تتساهل حيال تخطي عجزها السنوي العام حدود الـ3 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي.
وتلزم المعاهدة الموقعين عليها ضرورة خفض معدلات الدين العام وفقا للنموذج الألماني الذي تم مراجعته من قبل المحكمة الأوروبية. وعليه تضع كل دولة حداً لديونها، والاستعداد لعقوبات صارمة في حال مخالفة المعاهدة حيث سيتم تطبيق الإجراءات العقابية بصورة آلية وهو ما يحد ”من قدرة الدول الأعضاء في منطقة اليورو على عرقلة معاقبة أي دولة تخالف القواعد الجديدة للميزانية«.
وستدرس المحكمة الأوروبية العليا ما إذا كان يتعين على كل دولة وقعت على المعاهدة وضع حد لديونها في دستورها الخاص. أم سيتم الاكتفاء بالمعاهدة نفسها كونها شاملة وجامعة .
ويسمح فقط لدول مجموعة اليورو التي وقعت على المعاهدة بالحصول مستقبلا على مساعدات من صندوق الاستقرار الأوروبي الدائم (إي.إم.إس ) مما يعني حرمان بريطانيا وتشيكيا في حال وقوعهما في ازمة مالية مستقبلاً .
ويتعين على كل دولة وقعت على المعاهدة أن تصدق عليها بشكل منفرد لاحقا، في حين تعتزم أيرلندا إجراء استفتاء شعبي على المعاهدة قبل المصادقة عليها. لكن وحتى قبل دخول هذه المعاهدة حيز التطبيق، فان الظروف الاقتصادية التي تزداد تدهورا والانكماش في منطقة اليورو تثير الشكوك حيال قوة الموازنة التي تعتزم المعاهدة فرضها. وقد وجدت عدة دول نفسها مرغمة على مواجهة تجاوز مالياتها العامة حدود التوازن المطلوب.
وحذر رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي في بروكسل ان « العجز العام سيكون هذه السنة 5.8 بالمائة» ، وهي نسبة اعلى بكثير من الـ4.4 بالمائة المتفق عليها مع شركائه الأوروبيين ، وهذا ما يجعل العودة الى نسبة الثلاثة بالمائة في عام 2013 امراً شبه مستحيل.
وما ينطبق على اسبانيا ينطبق ايضاً على هولندا التي كانت سباقة في انتقاد التساهل المالي لشركائها ، والتي تجد نفسها الان مع ذلك ملزمة بدورها القيام بتوفير مالي إضافي بسبب تدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية فاق ما كان متوقعا.
وبات المتوقع ان يبلغ العجز نسبة 4.5 % من إجمالي الناتج الداخلي هذه السنة بعد ان تجاوز العام الماضي الحدود الأوروبية المحددة بنسبة 3 % ، كما من المتوقع ان يكون العجز 3.3 % عام 2013 و 4.1 % عام 2014 . مما يعني ان النمو سيبقى ما دون الحد المطلوب وهذا ما سينعكس بدوره على أي امكانية لحصول أي انتعاش اقتصادي اوروبي .