دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دول مجلس التعاون الخليجي الى تجاوز مرحلة التعاون الى الاتحاد في “كيان واحد” مشيرا الى انها مستهدفة في “امنها واستقرارها”. واضاف خلال افتتاح القمة العادية الثانية والثلاثون للمجلس يوم 19/12/2011 “لقد علمنا التاريخ والتجارب ان لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في اخر القافلة ويواجه الضياع وهذا امر لا نقبله جميعا لأوطاننا واستقرارنا وامننا، لذلك اطلب منكم ان نتجاوز مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد في كيان واحد”. ومعلوم ان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تأسس في 25/5/ 1981 أي منذ ثلاثين سنة ورغم ذلك فإنه لا زال يسير بخطى بطيئة جداً نحو التكامل الإقتصادي والإجتماعي والسياسي بحيث ان ما استطاع ان يحققه خلال مسيرته منذ ثلاثة عقود لا يرتقي الى مستوى عمر هذه المسيرة ولا يعبر عن القدرات الفعلية لدول المجلس التي تمتلك ثروات وإمكانيات وطاقات مالية وبشرية ومادية هائلة جداً . وغالباً ما تطفو على السطح خلافات كان من المفترض ان يتم منذ زمن طويل تجاوزها مثل العملة الموحدة والإتحاد الجمركي والربط الكهربائي والمائي وتوحيد الضرائب وسهولة انتقال الأشخاص والرساميل والإستثمارات المتبادلة والتجارة البينية وما الى هنالك من مسائل أخرى ن ولكن وللأسف لا زال البحث فيها عالقاً عند مستوى بعض التفاصيل التي في جزءٍ كبير منها هي تفاصيل هامشية . وحتى على المستوى السياسي فالملاحظ ان دول المجلس تعطي الأفضلية للعلاقات الثنائية مع قوى اقليمية ودولية حتى وأن كان ذلك على حساب دولة جارة وشريكة في عضوية المجلس الى حد اننا عندما نتحدث عن سياسة خليجية انما في الواقع نتحدث عن سياسات قد تكون متقاربة في بعض النواحي ومتباعدة في نواحي أخرى . وعلى المستوى العسكري ، ورغم محاولات خلق الية دفاعية مشتركة تتمثل في ” درع الجزيرة ” إلا ان الحماس لإنطلاقة فعلية لهذه الألية متفاوت ما بين دولة وأخرى . ويأتي ذلك في وقت تعلم فيه كافة دول مجلس التعاون ان التحديات التي تهددها هي واحدة ، وأن المخاطر التي تحدق بها تستهدفها جميعها سواء منها الإقليمية او الدولية . وحتى الأزمات المالية والإقتصادية التي حصلت سابقاً او تلك التي حصلت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية وفي دول منطقة اليورو قد اثرت بشكل سلبي على كل دول مجلس التعاون ولو بنسب متفاوتة . ومع المستجدات التي حصلت خلال العام 2011 في العالم العربي والتي ادت الى الإطاحة بأنظمة في مصر وتونس وليبيا ، ومرشح لها احداث تغيير ما في اليمن وسورية او دول اخرى فإن دول المجلس لم تكن بمنأى عن تداعياتها وإنعكاساتها وعن التأثير عليها والتأثر بها . وخطورة المتغيرات التي حصلت ليس كيف ومتى ولماذا حصلت بل ستكون كناية عن ازمات مفتوحة على كل الإحتمالات لطالما ان التغييرات التي حصلت لم تتضح هويتها بعد ، ولم ترسو عند حدود مفهومة ، ولم ترسخ ما قامت من اجله ، أي بناء انظمة حديثة متطورة قادرة على حل الأزمات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية . والخوف ان يحصل ، كما حصل تاريخياً في كل الثورات ، حيث كانت الثورة تنجح في احداث التغيير ولكنها كانت تفشل في توفير الأمن والأستقرار لأبناء البلد الذي ثار او لبلدان مجاورة سواء كانت خصماً او حليف . من هنا كانت الصرخة التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز نحو ضرورة بناء اتحاد خليجي بدلاً من البقاء في حال التقوقع داخل مجلس يمشي بشكل ابطأ بكثير من سير السلحفاة . وبقراءة لأبعاد الصرخة التي اطلقها العاهل السعودي يتبين : – انه يتخوف على الأمن والإستقرار في منطقة الخليج الذي لا يمكن ان يتأمن دون تضافر جهود دول المجلس مجتمعة . – انه يتخوف من تطورات اقليمية قد تكون ايران مصدرها في ظل تنامي قدراتها العسكرية . – يتخوف من اسرائيل وأطماعها خاصة وأن تصرفاتها تؤكد انها ضد السلام . – يتخوف من ان تضيع مساعي عمرها 30 سنة وأن تكون النهاية انفلات مجلس التعاون من أي روابط خاصة وان ما تحقق ليس على مستوى الطموحات . – يتخوف من انفلات الوضع العربي ومن احتمال عدم قدرة دول الخليج على صيانة امنها وأمانها في حال كانت متفرقة ومتباعدة . – يتخوف من تصاعد حدة الصراعات والنزاعات الدولية ومن عودة اجواء حرب باردة جديدة بعد ان تبين ان الولايات المتحدة الأميركية لم تعد القوة القادرة على ادارة نظام دولي احادي الجانب حيث تبرز مطامح وتطلعات لقوى أخرى مثل روسيا وريثة الأتحاد السوفياتي ، والصين التي استيقظ فيها التنين الذي كان نائماً ، وهناك ايضاً قوى ناشئة مثل الهند والبرازيل وغيرها . والأتحاد لا يعني على الأطلاق ان تخسر أي دولة خليجية هويتها الوطنية وتراثها وتاريخها ، ولا ان تتنازل لأحد عن طاقاتها وإمكانياتها وثرواتها ، ولا ان تفقد استقلاليتها وسيادتها ، بل الأتحاد هو ارقى انواع التعاون الذي يكفل بتأطير جهود كامل الأعضاء في بوتقة وأحدة فيجعل من ست دول خليجية قوة اقتصادية وإجتماعية وسياسية وعسكرية متضامنة ومتعاونة . والأمل كل الأمل ان تلقى صرخة العاهل السعودي اصداءها التي تستحقها وأن تنتقل دول المجلس من ذهنية مجلسية الى ذهنية اتحادية .