للمرة الخامسة (والأخيرة)، وجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مساء السبت31/12/ 2011 ، كلمة للفرنسيين بمناسبة رأس السنة الجديدة تحدث فيها عن التحديات القادمة التي ستواجهها فرنسا فيما الأنظار تتجه نحو الانتخابات الرئاسية التي تبدأ دورتها الأولى بعد اكثر من مائة يوم . وتعهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتطبيق إصلاحات جديدة من شأنها إخراج البلاد من حالة الجمود الاقتصادي، مشيرا إلى أن فرنسا ستشهد تغييرات ملموسة خلال العام الجاري. وجاءت تعهدات ساركوزي في خطاب متلفز إلى الشعب الفرنسي بمناسبة العام الجديد أكد فيه عزمه على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية خلال الأشهر الأربعة المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية، محذرا من أن الأزمة – التي تعتبر الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية- ستواصل تأثيراتها على الشعب الفرنسي خلال العام الجاري. كما أبدى رغبته بأن تساهم الضرائب المفروضة على السلع المستوردة في تمويل برامج الرفاه الاجتماعي التي تمولها حاليا الضرائب المفروضة على الشركات وضريبة الدخل، مؤكدا أن السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة واستقرار البلاد يتمثل في “اختيار طريق الإصلاحات الهيكلية بدلا من التصرفات العفوية التي لن تؤدي إلا إلى الاضطراب والفوضى دون استعادة الثقة”. وكان ساركوزي واضحا في تشخيص حجم المخاطرالتي تواجهها البلاد بقوله “مصير فرنسا قد يتغير مجددا عبر الخروج من الأزمة، بناء نموذج جديد للنمو، ولادة أوروبا جديدة، هذه هي بعض التحديات التي تنتظرنا”. وفي لهجة لم تخل من بعض التشاؤم، أوضح ساركوزي أن ما يحصل في العالم ينذر بأن 2012 سيكون عام المخاطر وعام الفرص السانحة، في الوقت ذاته الأمر الذي يستدعي -وفق تعبيره- التمسك بالأمل ومواجهة التحديات. وحتى الآن، لم يعلن ساركوزي ترشحه للفوز بولاية ثانية من خمسة أعوام، غير أن خوضه المنافسة الانتخابية القادمة لا يرقى إليه الشك. وبحسب المصادر المقربة من القصر الرئاسي، فإن ساركوزي سيعلن ترشحه رسميا في فبراير/ شباط المقبل ما يترك له أقل من ثلاثة أشهر ليقنع الفرنسيين بتفضيله على منافسه الاشتراكي فرنسوا هولند. وأحاط ساركوزي نفسه بفريق عمل ينكب على بلورة برنامجه الرئاسي تحت إشراف وزير الزراعة برونو لومير. واستنهض ساركوزي حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليمين «الحاكم» الذي يديره أمينه العام التنفيذي النائب جان فرنسوا كوبيه وفعَل الدوائر الاقتصادية والإعلامية والتنظيمية والشعبية التي يستطيع الإعتماد عليها حتى تكون كافة الأطر جاهزة للحظة الحاسمة. لكن ساركوزي سيباشر معركته الجديدة وهو في وضع سياسي سيئ وأبلغ دليل عليه تراجع شعبيته لدى الناخبين وفق ما بينه أخر استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة «لا كروا» حيث بين أن 38 في المائة فقط من الفرنسيين لديهم انطباع حسن عنه. وبين الاستطلاع المذكور أنه في المسائل الحياتية التي تهم الفرنسيين بالدرجة الأولى مثل البطالة وغلاء المعيشة ومستوى الحياة ومستقبل أنظمة الرعاية الاجتماعية، فإن ثقة الناخبين تذهب بالدرجة الأولى نحو المرشح الاشتراكي. وهكذا، فإن كافة الاستطلاعات التي أجريت خلال الشهر الماضي ، أفادت بتقدم فرنسوا هولند على ساركوزي في الدورة الأولى (نحو 30 في المائة مقابل 24 أو 25 في المائة) وفوزه الكبير عليه في الدورة الثانية (أكثر من 56 في المائة) . ويعاني ساركوزي بداية من تكاثر المرشحين المنافسين من داخل اليمين والوسط حيث يترشح يمينا رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان ووزير الدفاع السابق هيرفيه موران ووزيرة شؤون العائلة السابقة كريستين بوتان. ورغم أن أياً من هؤلاء قد لا يتجاوز نسبة تأييد تفوق الخمسة في المائة، فإنهم يشتتون أصوات اليمين ويحرمون الرئيس المنتهية ولايته منها وبالتالي فإنهم يمنعونه عمليا من الوصول إلى المرحلة الثانية في موقع مريح بحيث تتكون حوله دينامية نشطة وإجماعية تساعده على الفوز بالمنصب الرئاسي. ويعاني ساركوزي من منافسة مرشحين آخرين رئيسيين أحدهما في الوسط والآخر على اليمين المتطرف للخريطة السياسية. ففي الوسط، عاد نجم المرشح عن حزب الحركة الديمقراطية فرنسوا بايرو إلى اللمعان بعد أفول دام خمس سنوات، أي منذ الانتخابات الرئاسية الماضية التي خاضها عام 2007. وحتى الآن، وصل بايرو الذي يدعو إلى حكومة فوق الأحزاب وتضم مختلف التيارات لمواجهة الأزمة الحادة التي تعصف بالبلاد إلى عتبة 11 – 12 في المائة. غير أن التوقعات الخاصة به تفيد بأنه قادر على التقدم إلى نسبة 15 في المائة. ويركز بايرو حملته على مهاجمة ساركوزي ومحصلة سنواته الخمس في الرئاسة ويدافع عن مواقف «وسطية» وهو بذلك يزعج الرئيس الحالي الحائر بين الاقتراب من طروحات الوسط التي يدعو إليها بايرو، بحثا عن اجتذاب ناخبيه أو الاقتراب من طروحات اليمين المتطرف الذي تمثله مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبن. وهذه الأخيرة تحتل المرتبة الثالثة (بعد هولند وساركوزي) في استطلاعات الرأي التي تعطيها حاليا نحو 15 – 16 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى. وتحلم مارين لوبن بأن تستنسخ ما فعله والدها جان ماري لوبن في عام 2002 عندما احتل المرتبة الثانية في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ليخسر الدورة الثانية بوجه الرئيس السابق جاك شيراك. غير أن مقتل الرئيس الحالي يكمن في الحالة الاقتصادية المزرية التي تعرفها فرنسا والمؤشرات عليها كثيرة. فمن جهة، ارتفع معدل البطالة إلى 9.3 في المائة وهو يطال اليوم نحو 3 ملايين شخص. وهذه أسوأ نتيجة لفرنسا منذ أكثر من عقد. وبحسب التوقعات الاقتصادية، فإن البطالة مرشحة للارتفاع في الأشهر القادمة خصوصا أن العديد من الشركات الكبرى والمتوسطة أعلن عن خطط لتسريح آلاف الموظفين. ويترافق ارتفاع البطالة مع تراجع القدرة الشرائية للفرنسيين وتراجع الخدمات الاجتماعية وارتفاع في مستوى الضرائب وازدياد الاختلال في الميزان التجاري. وبسبب كل المؤشرات السلبية، فإن فرنسا قادمة على خسارة فئتها التصنيفية الأولى لدى الوكالات الدولية الأمر الذي أصبح مسلما به. ورغم أن الرئيس الفرنسي يستطيع القول إن المسؤولية تعود للأزمة العالمية وليست بسبب إدارته للبلاد، فإنه بحاجة إلى شبه معجزة ليقلب الميزان السياسي لصالحه وللفوز بالانتخابات القادمة إلا إذا ارتكب المرشح الاشتراكي أخطاء سياسية فاضحة أو أثبت أنه ليس منافسا متمرسا بوجه ساركوزي المعروف عنه صلابته وخبرته الكبيرة .