في آخر مستجدات الأنشطة الأوروبية تنكب المفوضية الأوروبية على اعداد موازنة تمتد من العام 2014 حتى العام 2020 على ان تعرضها بأقرب فرصة ممكنة على رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في الأتحاد الأوروبي .
وتبين الأرقام الأولية ان الموازنة المقترحة لست سنوات تصل الى حدود ألف مليار يورو وقد تزيد لاحقاً عن ذلك لأن هناك دولا تطالب برفعها بنسبة 5 في المائة فيما تعارض بريطانيا ودول أخرى هذا المطلب .
وأياً يكن حجم الموازنة الذي سيتم الاتفاق عليه فإن كافة المبالغ ستكون بتصرف المفوضية الأوروبية لتنفقها على برامجها التي أعدتها او تلك التي ستعدها والتي منها ما يذهب الى دول الاتحاد نفسه من أجل تعزيز التنمية والتطور والتقدم والقدرة على المنافسة العالمية ، ومواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية ، ومنها ما سيذهب لمشاريع ذات أبعاد دولية وعلى وجه الخصوص للدول النامية من اجل رفع مستوى قدرتها على مواجهة ازماتها ذات الأبعاد الأقتصادية والمالية او لمساعدتها في تنفيذ مشاريعها الرامية الى احقاق الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير .
وبذلك يتضح مدى أهمية المكانة التي تحتلها اوروبا على الساحة العالمية مقابل المكانة التي تحتلها الدول العربية حيث كل دولة تعمل بمفردها ، وتهتم بما يخدمها ، ولا تراعي سوى مصالحها رغم وجود آليات وهيكليات للتعاون اقلها مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية .
والمؤسف ان هذين التنظيمين ما زالا يراوحان مكانهما منذ عقود تارة بحجة ان الظروف الدولية لا تسمح بتفعيل دورهما ، وتارة أخرى بحجة ان العرب مشغولون بقضايا أهم ، وتارة بحجة ان الخلافات العربية – العربية أكبر من التفاهمات السائدة .
فهل يعقل ان جامعة الدول العربية التي تمثل 22 دولة ، ومساحة جغرافية واسعة ، وطاقات وقدرات بشرية وطبيعية هائلة كانت قبل فترة قليلة تستعطي الدول الأعضاء لكي تصرف رواتب موظفيها ؟ وهل يعقل ان موازنة جامعة الدول العربية لا توازي المصاريف الشخصية لبعض الرؤساء العرب ؟ وهل يعقل ان بعض الدول التي تنفق مليارات الدولارات لا تسدد بدل عضويتها بمبلغ لا يتجاوز ملايين قليلة ؟
اما عن مجلس التعاون الخليجي الذي مر على تأسيسه نحو 30 سنة فلا زال دون توحيد للتعرفة الجمركية والضرائبية ، ودون اعتماد حرية انتقال الأشخاص والبضائع ، ودون عملة موحدة ومصرف مركزي واحد ، ودون استراتيجية اقتصادية مشتركة ، ودون سياسة مالية ومصرفية متكاملة .
أما أن الأوان ليدرك الزعماء الخليجيون مدى اهمية المبادرة التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين لجهة تأسيس اتحاد خليجي ، وأما آن الأوان للزعماء العرب ان يدركوا ان هذه الخطوة هي مقدمة لاتحاد عربي شامل ؟
والى متى سنبقى نتغنى بالماضي ونحن غائبون بالكامل عن الحاضر والمستقبل ؟
أليست موازنة المفوضية الأوروبية مؤشرا على مدى بُعدنا عن حقيقة ما يجري في العالم ؟