جديد المركز

هل تؤدي سياسة ترامب الى افول “الإمبراطورية” الأميركية ؟

لم تدخل الولايات المتحدة الأميركية طيلة تاريخها في مواجهة مع اغلبية دول العالم رغم تفوق قوتها الاقتصادية والعسكرية عالمياً .. لا بل كانت تنتهج  دائماً دبلوماسية “العصا والجزرة” تاركة الأبواب مفتوحة للإتفاق معها لا عليها.

وبمعنى أخر كانت تعتمد الفلسفة البراغماتية التي تقوم على اساس المنفعة سواء كانت تخدم مصلحة ذاتية على مستوى ادارتها السياسية او مصلحة عامة على مستوى البلد بأجمعه ، وكان العالم يتعامل بخلفية ان لا خصومة دائمة ولا صداقة دائمة مع واشنطن .

واليوم ، ومع وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، تغيرت كل المعايير وباتت اغلبية دول العالم تستعد للدفاع عن مصالحها ، وتحاول ان تستشرف مستقبل تحالفاتها الدولية بعيداً عن دائرة التأثير الأميركي لأن الرئيس ترامب فتح نيران مدافعه على جزء كبير من الكرة الأرضية دفعة واحدة .

وكان المحللون السياسيون يظنون ان قذائف ترومب العشوائية انما هي قذائف وهمية تخدم حملته الأنتخابية وستنتهي مفاعيلها مع انتخابه رئيساً . ولكن تبين ان هذه التحليلات لم تكن واقعية بسبب استمرار ترامب في التصعيد رغم ادراكه ان ما يقوم به مرفوض اميركياً قبل ان يكون مرفوضاً في الخارج .

وبتفصيل اوضح حري التذكير بما اعلنه ترامب من مواقف عدائية ، ومن مواقف ودية ليتبين من خلالها أي مستقبل ينتظر الولايات المتحدة الأميركية :

·       المواقف العدائية :

–         هاجم ترامب الأتحاد الأوروبي وهنأ بريطانيا على خروجها منه، وأدّعى “أن اوروبا هي اداة بيد المانيا ” وان ” دول اوروبية عديدة ستتخلى عن الأتحاد ” ، الأمر الذي دفع بالمحللين الأوروبيين الى القول :ان ترامب يريد ان يرمي الخلاف بين الدول الأوروبية، ولعل هذا ما يفسر سبب تبني المرشحين لرئاسة فرنسا خططاً استراتيجية تدعو الى تمتين العلاقة مستقبلاً مع روسيا .

–         انتقد ترامب دور حلف الناتو وشكك بفعاليته ووعد بإعادة النظر بما تقدمه واشنطن من دعم ورعاية ، ورد وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت على ذلك بدعوة الدول الأوروبية الى “التوحد”، والى تعزيز اواصر الشراكة مع الصين لأن اوروبا ( حسب توقعات خبراء مختصين) ستكون مستقبلاً في مواجهة مع اميركا ترامب ومع روسيا بوتين .

–         ابدى ترامب عدم حماسه للمضي في تنفيذ اتفاقية المناخ التي تم التوقيع عليها مؤخراً في باريس ووعد بإنسحاب واشنطن منها .

–         اعلن ترامب انه سيعيد النظر بالإتفاق النووي الموقع مع ايران من قبل دول 5+1.. وقد يكون هذا ما يتمناه الجناح المتشدد في طهران الطامح الى امتلاك السلاح النووي .

–         قال ترامب انه سيعيد النظر بإتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع كندا والمكسيك .

–         وقع ترامب مرسوما تنفيذيا لبناء جدار على امتداد الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وقال انه سيلزم المكسيك دفع كلفة بناء هذا الجدار البالغة 8 مليار دولار.

–         هاجم ترامب، الصين واتهمها بـ “اغتصاب” الولايات المتحدة، وبأنها مسؤولة عن “أكبر عملية سطو في التاريخ“.

–         صرح ترامب مرات بأنه سيجبر دول الخليج على دفع تكاليف الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لها، خاصة تكاليف الأسطول البحري في المنطقة.

–         وقع يوم الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني 2017 أوامر تنفيذية جديدة تشمل حظرا مؤقتا على ولوج معظم اللاجئين أراضي الولايات المتحدة الامريكية، ووقف إصدار تأشيرات لمواطني سبع دول بالشرق الأوسط وأفريقيا، وسيطال الحظر اللاجئين أيا كانت جنسياتهم، ومواطني ست دول عربية، هي سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن، إضافة إلى ايران.

–         أكد أنه سينشئ مناطق آمنة في سوريا، على أن تقوم وزارة  الخارجية بالتعاون مع وزارة الدفاع خلال تسعين يوما من تلقي القرار التنفيذي للرئيس بوضع خطة لإقامة هذه المناطق دون ان يحدد زمان ومكان اقامتها ولا من سيشرف عليها اقليمياً ودولياً.

·       المواقف الودية :

–         ابدى استعداده للإنفتاح على روسيا ورفع العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2014 على خلفية ضم القرم والأزمة الأوكرانية. 

–         تبنى الأجندة اليمينية الإسرائيلية بالكامل، ووعد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس .

بناء على ما تقدم يتبين ان ترامب لا يقيم وزناً لأي علاقة خارجية إلا مع روسيا وأسرائيل فيما يتعامل مع سائر الدول الأخرى على انها خصوم لأميركا .

ومن يتبنى جدياً مثل هذه الإستراتيجية لا يدل على ان من يقول بها يفقه الحد الأدنى من العمل السياسي ومن اصول العلاقات الدولية ، لأنه يتخذ مواقف ارتجالية غير محسوبة النتائج ، وفي حال واصل انتهاج هذه المواقف فمن المؤكد انه سيكون اول من يطرق معولاً على طريق افول الأمبراطورية الأميركية !! وسيكون اول من يزيل العوائق امام صعود مطرد لأمبراطوريات أخرى مثل الصين وروسيا .