جديد المركز

هل ستنهار مشاريع السلام بين العرب وإسرائيل ؟

الملاحظ من خلال تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ان اسرائيل تمر بأزمة كبيرة قد تنعكس سلباً ليس فقط على معاهدات السلام التي سبق ووقعتها مع بعض الدول العربية مثل مصر والأردن بل ايضاً على مشاريع السلام مع الفلسطينيين ، وعلى مفاوضات السلام مع سورية التي كانت تتم برعاية تركية . والتطورات السلبية لهذا الواقع ستشكل احراجاً كبيراً للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين . فإسرائيل بزعامة نتانياهو وحلفائه من اليمين المتشدد قد اجروا قراءة خاطئة لما يشهده العالم العربي والإسلامي من تحركات ، وظنوا انهم يمسكون بدفة الأوضاع ويديرونها وفق ما تقتضي مصالحهم ، ولكن الوقائع اثبتت غياب الرؤية الإستراتيجية الصحيحة لدى قادة تل ابيب ، فكان من نتيجة ذلك غرق اسرائيل في بحر من الأزمات من غير الواضح كيف ستخرج منه . فالقراءة الإسرائيلية للثورات العربية كانت ترى ان نتائجها ستكون لمصلحة اسرائيل ، وقد افصح عن ذلك بوضوح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بقوله : “عندما كنت في الولايات المتحدة تحدث معي أحد المثقفين الإسرائيليين وقال إن ما يجري في الدول العربية اليوم سيصب في مصلحة إسرائيل، وأجبته بأنني أرى العكس، فوضعكم اليوم أصعب من ذي قبل “. وصدقت توقعات العاهل الأردني إذ بدأت مصر تشهد تباشير تحول في الموقف من اسرائيل بعد نجاح الثورة وعزل نظام حسني مبارك حيث تجلت الخطوة الأولى بالحدث الذي ادى الى وصول بعض شباب ثورة مصر الى سطح سفارة اسرائيل في القاهرة ونزع العلم الإسرائيلي ووضع علم مصر مكانه ، ومن ثم كانت الحركة الثانية التي أدت بعد ذلك بأسابيع قليلة الى دخول ثوار مصر الى داخل السفارة وترديد هتافات تطالب بإلغائها ، وبوقف كل اشكال التعامل مع اسرائيل . ولعل هذا ما دفع لاحقاً برئيس وزراء مصر عصام شرف الى القول ان اتفاقية كمب ديفيد ليست نصاً مقدساً وأن بالإمكان تعديله . ولكن هل التعديل سيقنع شباب مصر اليوم ويتقبلوا استمرار عمل سفارة تل ابيب وسط القاهرة ؟ وهل ستستطيع مصر اليوم لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما كان يفعل حسني مبارك ؟ أم ان مصر عادت لتلعب دور الطرف في مواجهة اسرائيل ؟. والقراءة الإسرائيلية لحجم ردود الفعل التركية على ما ارتكبه الجيش الإسرائيلي بحق نشطاء اسطول الحرية كان مخطئاً ايضاً إذ ظن القادة الأسرائيليون ان الزمن كفيل بتيريد الحماس التركي لمجرد ان يصدر تقرير محرَف عن التحقيق في الجريمة ، ولكن جاءت الوقائع مخالفة حيث اصرت انقرة على تلقي اعتذار من تل ابيب . ولما تمنعت هذه الأخيرة كانت النتيجة طرد السفير الإسرائيلي ووقف كل اشكال التعاون بين البلدين بما فيها الإقتصادية والعسكرية . وبذلك خسرت اسرائيل حليفاً اقليمياً كان يشكل لها جسر عبور بإتجاه العالمين العربي والإسلامي ، ناهيك عن المردود الإقتصادي والإستراتيجي . وكانت قراءة اسرائيل خاطئة ايضاً بشأن الأردن إذ تارة تعاطت معه على انه الوطن البديل وتارة بعدم الإعتراف بحق ملايين اللاجئين الذين يعيشون على ارضه بالعودة الأمر الذي انفجر غضباً في الشارع وأدى الى المطالبة الشعبية بإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان . وإضافة الى ما تقدم كانت السياسة الإسرائيلية الخاطئة والقائمة على عمليات التسويف الدائمة لكل مساعي السلام مع الفلسطينيين ، ومواصلة احتلال اراضي 1967 وبناء المستوطنات عليها ، وقضم القدس الشرقية الى ان وصلت الأمور عربياً وفلسطينياً الى تبني مشروع اعلان دولة فلسطينية مستقلة عبر الأمم المتحدة مما يعني في القوانين الدولية تحول الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية الى وجود محتل . وحول هذه المسألة الأخيرة تمارس الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية الكثير من الضغوطات على العرب وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية من اجل عدم الذهاب الى الأمم المتحدة لقاء ان يعاد تفعيل مفاوضات السلام . ولكن هذه الضغوطات لم تثمر بعد عن أية نتائج ايجابية للأسباب التالية : – انه لم يعد امام الفلسطينيين من حلول أخرى لتأسيس دولة مستقلة سوى الأمم المتحدة لطالما ان كل مفاوضات السلام لم تكن سوى مضيعة للوقت . – ان العودة مجدداً لطاولة المفاوضات يعني العودة الى سياسة المماطلة حيث لم تقدم لا واشنطن ولا بروكسل اي ضمانات للفلسطينيين . – تلويح العرب باللجوء الى الأمم المتحدة قد عرّى اميركا والأوروبيين الذين كانوا دائماً يعدون بقرب اعلان دولة فلسطينية مستقلة ، وكشف عن عدم رغبة حقيقية بإيجاد حل نهائي لأزمات الشرق الأوسط ، وبإنحياز هذه الأطراف الى مصلحة اسرائبل فقط . ثم هناك المتغيرات التي حصلت في تونس والتي لم تعد تسمح ان يعتبر هذا البلد نفسه غير معني بالصراع العربي الإسرائيلي كما كان عليه الحال مع نظام زين العابدين بن علي . وضيعت اسرائيل فرصة التوصل الى سلام مع سورية لأن أي نظام سيأتي لن يقبل بأقل ما كان يطالب به النظام الحالي. يضاف الى ذلك وضع لبنان وإصرار اسرائيل على الإحتفاظ بأرضه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وتتزامن الإخفاقات السياسية مع اشتداد الحركات المطالبة داخل اسرائيل بتحسين الأوضاع الإجتماعية والسياسية والتي نظمت حتى الأن عدة تظاهرات مليونية . كل هذه المؤشرات تفيد ان اسرائيل تمر بأزمة كبيرة ومن الممكن ان يستغلها العرب لمصلحتهم فيما لو اولوا هذه المسألة الأهمية التي تستحقها حتى وإن كان لديهم الكثير من التباينات بشأن ملفات أخرى .