بدأت العقوبات الأقتصادية المفروضة على ايران تعطي ثمارها حيث ارتفع سعر الدولار في الأونة الأخيرة الى ما يعادل ثلاثة اضعاف ما كان عليه ،كما ارتفعت معه اسعار كل السلع المستوردة وخاصة منها القمح والأدوية والمواد الأولية الأخرى ، وانخفضت بالتالي الصادرات النفطية الإيرانية حوالي 200 الف برميل يومياً .
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه ايران خلافاً حاداً بين مرشد الثورة السيد علي خامنئي وبين الرئيس محمود احمدي نجاد على خلفية كيفية إدارة شؤون البلاد وأختيار الأشخاص المناسبين في المواقع المهمة من القادرين على التعاطي مع ما تتعرض له ايران من مواجهة مع المجتمع الدولي بسبب تمسكها بإكمال مشروعها النووي الذي يمتص جزءاً كبيراً من عائدات البلاد منذ سنوات طويلة على حساب لقمة عيش المواطن الذي يفتقر للحد الأدنى من توافر المتطلبات الحياتية والخدمات الأساسية في التعليم والصحة والسكن وغيرها . ويبدو ان الولايات المتحدة الأميركية سعيدة جداً بما يحدث الأن في ايران لأن نجاح رهانها على العقوبات الأقتصادية قد جنبها الدخول في مغامرة عسكرية غير محسومة النتائج ، وجنب المنطقة حرباً اقليمية لها الكثير من التداعيات السلبية ، كما رفع عن واشنطن الإحراج التي كانت اسرائيل تضعه امامها حيث كانت هذه الأخيرة تصر على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران لوقف مشروعها النووي رغم ان كلفته على تل ابيب وحدها كانت ستصل الى نحو 42 مليار دولار كتقدير اولي .
ولقد عبّرت عن ذلك بوضوح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التي قالت أن تدهور العملة الإيرانية يظهر نجاح «العقوبات الأشد» التي تفرضها المجموعة الدولية سعيا لوقف برنامج إيران النووي.
واعتبرت نولاند أن «هذا يدل على الضغط المتواصل والناجح بشكل متزايد الذي نفرضه جميعاً على الاقتصاد الإيراني”. ومعلوم ان سعر الدولار كان يعادل 13 الف ريال عام 2011 فيما وصل مؤخراً الى حوالي 40 الف ريال وخلّف وراءه تضخماً وصل الى نحو 23 في المائة تقريباً .
وإذا كان الشارع الإيراني قد عبّر عن رفضه وأمتعاضه وطالب الحكومة بإجراءات فعالة فإن الرئيس محمود احمدي نجاد بدا انه مشغول بكيفية الإفراج عن مستشاره الإعلامي المعتقل في السجن وأنه لم يلجأ حتى الأن الى اتخاذ أي تدبير بإستثناء اعتقال الصرافيين غير الشرعيين معتبراً انهم هم من يتحمل مسؤولية الأرتفاع المذهل لسعر الدولار ، ومتجاهلاً بذلك العقوبات الأقتصادية وما بدأت تفرزها على مستوى الحياة اليومية للمواطنين .
كما لجأت الحكومة الى افتتاح «مركز صرف» جديد حيث توضع الدولارات بتصرف المستوردين بسعر صرف أدنى من سعره في السوق المفتوحة، لكن ذلك لم يمنع تدهور سعر صرف الريال.
ولعل هذا ما دفع ببعض اركان النظام من المقربين من السيد علي خامنئي الى انتقاد حكومة نجاد وتحميلها مسؤولية ما يجري حيث قال المرجع الايراني جواد املي ان السبب يعود الي ضعف الادارة في حكومة نجاد وليس الى العقوبات الاقتصادية. واضاف: ان الحصار الاقتصادي موجود في ايران منذ 30 عاما لكن المشاكل الاقتصادية جاءت بسبب ضعف الادارة. ويرى رئيس ديوان العدالة محمد منتظري أن الحكومة قد انحرفت عن نهج العدالة وطريق الامة والقيادة.
ومن جانبه اتهم ممثل المرشد علي خامنئي في كيهان حسين شريعتمداري حكومة الرئيس احمدي نجاد بالصمت المتعمد ازاء المشاكل الاقتصادية التي تحاصر ايران. وقال شريعتمداري في مقال بصحيفة كيهان: اننا نلاحظ ان هناك حالات من السكوت والصمت من قبل المسؤولين المعنيين في حكومة نجاد ازاء ازمة هبوط الريال الايراني وان وزراء الاقتصاد والتجارة والصناعة والمعادن ورئيس البنك الوطني الذين مثلوا امام البرلمان ادعوا ان القضية لا ترتبط بهم.
وأمام هذه الأزمة الخانقة التي تمر بها ايران كثرت التحليلات والتأويلات حيث اعتبر البعض ان ازمة ايران الإقتصادية مردها الى توظيف الدولة الجزء الأكبر من عائداتها للصناعات الحربية حيث زادت موازنتها مؤخراً بمعدل 3 مليارات دولار ليصبح المجموع العام المرصود للصناعات العسكرية نحو 10 مليار دولار .. وذهب اخرون الى القول ان السبب هو أن في ايران صناديق مالية مستقلة منها عائدة للرئيس نجاد ومنها عائد للحرس الثوري ومنها ما هو تحت سيطرة شلة من النافذين دون ان تكون هناك أي سلطة عليا تشرف على عمل هذه الصناديق او تربطها ببعضها .. ويضاف الى ذلك الحجم الهائل من الفساد والرشاوى وسوء الإدارة .
بالمقابل يرى باحثون اميركيون أن استثمار إيران في برنامجها النووي يحرم المشروعات الأخرى الأكثر ربحية في مجال الوقود الأحفوري من مصادر رأس المال. وهم يرون أيضا أن سعي إيران للتوصل إلى الدورة الكاملة للوقود النووي من المحتمل أن يخفض الاستثمارات الأجنبية في كل قطاع الطاقة لديها، ويودي بفرص التبادل التجاري لإيران على المستوى الدولي. ومن جهتها أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن العقوبات المفروضة على طهران على خلفية برنامجها النووي تكلّف الاقتصاد الإيراني حوالي 5 مليارات دولار شهرياً. أما عن كيفية الخروج من الأزمة فإن البعض يتوقع ان تحاول ايران الإلتفاف على العقوبات عبر المقايضة المباشرة: النفط مقابل السلع. وهذه السلع تشمل سبائك الذهب أو الحبوب. وقد قامت إيران بالفعل بصفقة كهذه مؤخراً لمقايضة نفطها مع القمح الباكستاني. ويتوقع أخرون ان تلجأ الحكومة الى تثبيت سعر الدولار وألى بيع كميات كبيرة من النفط في السوق السوداء بسعر اقل مما هو عليه عالمياً لتوفير العملات الصعبة ..ولكن على المستوى السياسي لا بد من ان يكون هناك من سيتحمل مسؤولية ما يجري ، ويبدو ان اصابع الأتهام تتجه نحو الرئيس محمود احمدي نجاد !!