مع وصول ايمانويل ماكرون الى قصر الأليزيه بدا وكأن فرنسا ذاهبة بإتجاه إرتداء ثوب سياسي جديد على المستوى الوطني والدولي مختلف عن كل الأثواب التي لبستها سابقاً سواء تلك التي كان تناسب مقاسها ،او تلك التي كانت أكبر أو اصغر من حجمها .
فالرئيس ماكرون ليس يسارياً رغم العديد من الإشتراكيين المحيطين به ، ولا يمينياً رغم كثرة الديغوليين العاملين تحت ادارته ، بل هو نموذجاً جديداً لقيادة شابة تحاكي طموحات الأجيال الفرنسية الصاعدة، ولهذا التف حوله المثقفون والأكاديميون والطلاب ، وكذلك الصناعيون والتجار والمصرفيون ونخب من الإعلاميين .
وماكرون ليس نيكولا ساركوزي الذي اتخذ من الغرب الأميركي مثالاً لقيادة فرنسا فتعذر عليه تقليد النموذج الأميركي دون ان يتمكن من استعادة الجذور الوطنية لبلاده .
وماكرون ليس فرنسوا هولاند الذي لم يتمكن من ان يرسم صورة واضحة لفرنسا وطنياً ودولياً فتحولت نتيجة ذلك الى ما يشبه أي دولة نامية .
فالرئيس الجديد يمتلك مشروعاً للنهوض ببلاده اقتصادياً وتربوياً لأن الأوضاع التي تعيشها فرنسا وصلت الى حد لا يطاق من نمو متواضع ، وبطالة مرهقة، وتراجع في الناتج القومي، وتضاعف في حجم المديونية العامة ، وهو بحاجة الى بعض الوقت ليثبت صوابية توجهاته ولهذا عيّن في ادارته مجموعة كبيرة من التكنوقراطيين الذين وضعوا خارج ابواب مكاتبهم انتماءاتهم السياسية والعقائدية وقبلوا ان يتجندوا في معركة التغيير من منطلق أن ما سيتحقق لن يكون مسجلاً في دفاتر انجازات يسارية ولا في سجلات انجازات يمينية ، لا بل ستحتسب الإنجازات لمصلحة كل الوطن .
ولكي ينجح ماكرون فيما يصبو اليه سيكون بحاجة الى كتلة نيابية وازنة في البرلمان تكون سنداً لمشاريع حكومته وليس عائقاً امام فرص التطوير المتاحة .
والملفت للنظر ان ماكرون لم يعزل توجهاته الوطنية عن دور فرنسا اوروبياً حيث تقدم بمشروع لإعادة الحياة الى مفاصل الأتحاد الأوروبي بعد فترة طويلة من الخمول والترهل ، كما لم يعزل توجهاته الوطنية عن دور فرنسا دولياً حيث لمس الفرنسيون الدور الذي لعبه رئيسهم في اجتماع “الناتو” الى جانب أكبر زعماء العالم ، وفي اجتماع الدول الصناعية السبع ، وكذلك في اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وأثناء استقباله في قصر فرساي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
لقد اثبت ماكرون أنه رقم صعب في هيكلية “الناتو”.
وليس ظلاً للسياسة الأميركية .
ولا هو متوسلاً لأي تبعية روسية .
انه الفرنسي الذي يطمح ان يكون انعكاس لصورة بلاده التي يتطلع ان تكون شريكاً اساسياً في إعادة تكوين الخارطة الأوروبية من الأطلسي الى الأورال ، والحضور بفعالية لمواجهة الإرهاب ، والمساهم بقوة في مشاريع الأمن والسلم العالميين ، والداعم الفعلي لنشر الحرية والديموقراطية ، والمساند في حروب مواجهة الفقر والعوز والجوع .
فهل تكون انجازات ماكرون بحجم طموحاته ؟ وهل يتمكن من اعادة فرنسا الى موقعها الطبيعي على الخارطة الدولية؟
هذا ما سيتبين في المستقبل القريب .. وإن الغد لناظره قريب.