اصدر المركز الدولي لإدارة الأزمات ( كريزيس – غروب) ومقره بروكسل تقريرا حول وضعية حركة “حماس” الفلسطينية مبيناً ان هذه الحركة لم تواجه في تاريخها تحديات كتلك التي ظهرت مع الانتفاضات العربية. وقال التقرير ان حماس تخلت عن مقرها في دمشق، على حساب علاقاتها مع أكبر الدول الداعمة لها، إيران، في حين حسّنت علاقاتها مع حلفاء للولايات المتحدة مثل مصر، وقطر، وتركيا. وعندما طُلب منها أن تحدد الجانب الذي تقف معه في صراعٍ إقليمي متصاعد، فإنها لم تختر أي جانب.
وقال التقرير: لقد وصلت التوترات داخل صفوف حركة حماس إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وتركّزت على كيفية الاستجابة للتغيرات الإقليمية على المدى القصير. وينزع قادة الحركة في الضفة الغربية وفي المنفى إلى الاعتقاد أنه مع إستلام “الإخوان المسلمين” السلطة في مصر بشكل خاص وتصالح الغرب مع الإسلاميين بشكل عام، فقد آن الأوان لاتخاذ خطوات أكثر جرأةً نحو تحقيق الوحدة الفلسطينية، بشكل يُيسر اندماج حماس إقليمياً ودولياً. اما قيادة حماس في غزة فإنها تنظر بقلق إلى أية خطوات استراتيجية وسط ما يزال مستقبلاً إقليمياً غير واضح. هذه الديناميكيات الجديدة – صعود الإسلاميين على المستوى الإقليمي،والتغير الحاصل في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيالهم ، والتردد السائد في أوساط الفرع الفلسطيني للإسلاميين – يقدم فرصاً للغرب وحماس على حدٍ سواء. إلا أن اغتنام هذه الفرص يتطلب إظهار قدر أكبر من البراغماتية والواقعية مما أظهره الطرفان حتى الآن.
ما كان يمكن للانتفاضات العربية أن تُحدث انقلاباً أكثر شدة في حظوظ حماس.في السنوات الراكدة التي سبقت هذه الانتفاضات، كانت حماس في مأزق، فقد كانت معزولة دبلوماسياً، ومحصورة اقتصادياً بين مصر وإسرائيل، ومقموعة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية وقوات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالكاد قادرة على إدارة وقف غير مستقر لإطلاق النار مع عدو أكثر قوة بكثير، وغير قادرة على تلبية المطالب الشعبية بتحقيق المصالحة مع فتح، وفي وضعٍ لا تحسد عليه في غزة، حيث رأى بعض مؤيديها أنها لطخت نفسها بالتناقضات الكامنة في كونها حركةً إسلامية مقيدة بضرورات الإدارة العلمانية وحركة مقاومة تعارض بشدة الهجمات التي تنطلق من غزة ضد إسرائيل.
وقال التقرير الدولي :انه ومع تقلص شعبيتها منذ الانتخابات الفلسطينية التشريعية عام 2006 التي دفعتها إلى السلطة، فقد كان على حماس مواجهة الانتقادات من الداخل والخارج، حيث صاحب الأولى انشقاقات من قبل مجموعة صغيرة لكن هامة من المتشددين الذين تركوها لينضموا إلى مجموعات أكثر التزاماً بتطبيق الشريعة الإسلامية والانخراط في هجمات ضد إسرائيل. وبشكل عام، لم يكن هناك ما يبعث على الراحة في أوساط الحركة سوى أن “فتح” لم تكن أفضل حالاً.
ويبدو أن الثورات العربية غيرت كل ذلك. ظهرت التطورات الإيجابية في سائر أنحاء المنطقة: الإطاحة بحليف “فتح” القوي، الرئيس المصري حسني مبارك، صعود أقوى داعمي حماس الحركة الأم التي انبثقت عنها وهي حركة الإخوان المسلمين في مصر، فتح معبر رفح بين غزة وسيناء ، الذي كان النظام المصري السابق يستعمل سيطرته عليه للضغط على ما كان يعتبرهم حكام غزة غير الشرعيين بتقييد حركتهم وإفقارهم،تمكين الأحزاب الإسلامية في بلدان أخرى، تنامي عدم الاستقرار في دول فيها معارضات إسلامية كبيرة، الوعد بظهور نظام إقليمي جديد أكثر ديمقراطية يعكس العداء الواسع الانتشار لإسرائيل وحلفائها والتعاطف الشعبي مع حماس.
ومن وجهة نظر حماس، فإن هذه الأحداث وغيرها كانت تبشر بإحداث أثر عميق على تحقيق جميع أهدافها الأساسية: حكم غزة، إضعاف قبضة “فتح “على الضفة الغربية، نشر القيم الإسلامية في المجتمع، إنهاء عزلتها الدبلوماسية، تعزيز التحالفات الإقليمية في وجه إسرائيل.
واكد تقرير مركز إدارة الازمات الدولية حول حماس ان هذه التغيرات الإقليمية لها ثمن. الأكثر أهمية هو أن الانتفاضة في سوريا، حيث مقر المكتب السياسي للحركة لأكثر من عقد من الزمن، وضع أمام الحركة أحد أكبر التحديات التي واجهتها، ومزقتها بين مطالب متصارعة. فمن جهة، كان على الحركة أن توازن بين الامتنان الذي كانت تشعر به حيال نظام كان قد دعمها عندما تنكرت لها جميع البلدان العربية الأخرى، وكلفة قطع العلاقات مع نظام ما يزال متمسكاً بالسلطة، والمخاطر المترتبة على اغضاب إيران، أكبر داعميها ومزوديها بالمال، والسلاح والتدريب.
ومن ناحية أخرى، فكّرت حماس في علاقتها بالإخوان المسلمين والسعودية بشكل عام، وكذلك الدَّين الذي تحمله للشعب السوري، الذي طالما وقف مع الحركة. والأمر الذي كان عليها أن تأخذه بالحسبان في موازنة هذه الاعتبارات هو التزاماتها لمئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذي قد يترتب عليه دفعهم بيوتهم وحياتهم ثمناً للقرارات التي يتخذها بعض قادتهم السياسيين. وقال التقرير انه إضافة إلى الصعوبة الكامنة في تحقيق التوازن بين هذه الاعتبارات الخارجية، فإن الانتفاضات العربية فرضت على الحركة تحدياً ليس أقل صعوبة عندما أظهرت إلى السطح تناقضات داخلية عميقة ونزاعاً بين مختلف مكوناتها. كان المأزق الذي عانت منه حماس قبل الانتفاضات العربية قد سمح للحركة بالمحافظة على الاختلافات الكثيرة في أوساطها تحت السطح؛ فمع قلة الفرص المتاحة لها، لم يكن ثمة حاجة لتصارع الرؤى. لكن حالما وجدت حماس نفسها في بيئة مختلفة بشكل جذري وفي مواجهة تحديات واحتمالات جديدة، فإن التوترات الكامنة ظهرت إلى السطح ونشأت أشكال جديدة من الاحتكاك في أوساطها. بشكل عام، فإن هذا الأمر يعكس عدة عوامل متداخلة: التشتت الجغرافي للحركة والحسابات المختلفة لقيادتها، والتي تسببها ظروف مختلفة (في غزة، وفي السجون، وفي الضفة الغربية والخارج)؛ والتمايزات الأيديولوجية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتقييمات المختلفة لأثر الانتفاضات العربية؛ والأدوار المختلفة في الأنشطة السياسية والعسكرية والدينية والإدارية للحركة؛ والتنافسات الشخصية الموجودة من قبل.
وبرأي التقرير : لقد برز التنافس الداخلي في حماس بأوضح أشكاله وأكثرها علانية حول قضية المصالحة الفلسطينية؛ وذلك لأنها تشكل مطلباً أساسياً للفلسطينيين وتلامس العديد من أكثر المسائل الاستراتيجية أهمية والتي تواجهها الحركة، بما في ذلك الاندماج داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والسيطرة على السلطة الفلسطينية، ووضع قوات الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكيل إستراتيجية مشتركة مع “فتح”، والموقف السياسي النهائي لحماس حيال إسرائيل.
وأوضح التقرير الدولي ان الخلافات الداخلية في حماس تنبع حول الإستراتيجية الوطنية، خصوصاً حول المدى الذي ينبغي الذهاب إليه في مفاوضات المصالحة، في جزئها الأكبر من التصورات المتناقضة حول الآثار القصيرة الأجل التي ستتركها الانتفاضات العربية على الحركة. وقد تشكلت هذه بدورها من خلال التجارب المباشرة للقيادات في غزة، وحتى وقت قريب، في دمشق.
وبصورة عامة، فإن الانقسام الاستراتيجي يتطابق مع وجهتي نظر، ترتبطان هما أيضاً بمجموعتين مختلفتين من المصالح: من جهة، ولأن التغيرات الإقليمية تلعب لصالح حماس، فإن على الحركة ألا تفعل سوى التمسك بمواقفها مع انتظار إضعاف السلطة الفلسطينية، وتحسُّن الظروف الاقتصادية في غزة، وتنامي قوة حلفائها؛ ومن جهة أخرى، عليها أن تغتنم هذه الفرصة النادرة لاتخاذ قرارات صعبة يمكن أن تحقق مكاسب طويلة الأمد. إن المجتمع الدولي يراهن على الخيارات التي ستتخذها حماس في النهاية. ستستمر الحركة بلعب دور حيوي في السياسة الفلسطينية، مما يؤثر على احتمال تجدد المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية وكذلك على احتمالات نجاحها. إن توحيد الضفة الغربية وغزة ليس أمراً مرغوباً فحسب؛ بل إنه ضروري لتحقيق حل الدولتين. كما أن الانفصال الجغرافي مصحوباً باستمرار العزلة الاقتصادية لغزة يحتوي بذور المزيد من الصراع مع إسرائيل. لهذه الأسباب فإن العالم، والغرب بشكل خاص، ينبغي أن يفعل أكثر من مجرد الوقوف جانباً والتفرج على حماس وهي تصارع على مستقبلها. بدلاً من ذلك ينبغي على الولايات المتحدة وأوربا اختبار ما إذا كان بوسعهما اغتنام الفرصة التي وفرها تطوران مترابطان: أولاً، استلام حركات إسلامية للسلطة (خصوصاً في مصر) وهي حركات حريصة على تحسين علاقتها مع الغرب، وترغب بالاستقرار وتبعث بإشارات مفادها أنها لا ترغب بجعل القضية الإسرائيلية- الفلسطينية أولوية؛ وثانياً، المناظرات الداخلية المكثفة التي تحدث داخل حماس حول اتجاه الحركة. واكد التقرير انه حتى لو كانت حماس عرضة للتأثير من قبل أطراف ثالثة، فإن على الغرب ألا يبالغ في تقدير نفوذه؛ فالحركة الإسلامية غير متيقنة وفي حالة تحوّل لكنها لن تتنازل عن مواقفها الأساسية؛ حيث أن محاولة إجبارها على قبول شروط الرباعية أمر مرفوض تماماً. بدلاً من ذلك، فبالعمل عبر التنسيق مع مصر وآخرين، على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشروع في تحقيق تغيرات لا تقتصر على التصريحات العلنية، وذات قيمة عملية ولا تشكل عبئاً مرهقاً لحماس. يمكن لهذه التغيرات أن تشمل الدخول في اتفاق وقف إطلاق نار أكثر رسمياً مع إسرائيل في غزة؛ وبذل الجهود للمساعدة في تحقيق الاستقرار في سيناء، وهو ما تبينت أهميته الحاسمة من خلال الهجوم الذي شُن في 5 آب/أغسطس 2012 على الجنود المصريين؛ والتأكيد، كجزء من اتفاق الوحدة الوطنية، على تفويض الرئيس محمود عباس على اتفاق الوضع النهائي مع إسرائيل؛ والتعهد باحترام نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي سيطرح على الفلسطينيين حول مثل ذلك الاتفاق. وبالمقابل، يمكن لحماس أن تستفيد من ضمانات إسرائيلية مقابلة حول وقف إطلاق النار في غزة؛ وتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع؛ والحصول على تأكيدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنهما سينخرطان مع حكومة وحدة وطنية تنفذ هذه الالتزامات. والمعلوم ان مصر – حتى تحت حكم الإخوان المسلمين – تتشاطر مصالح موضوعية مع إسرائيل حول كل من القضايا المطروحة أعلاه: هي أيضاً تريد أن ترى عودة الهدوء إلى غزة؛ وهي أيضا تفضل استمرار الهدوء في سيناء، كما سعت في سبيل تحقيق ذلك إلى حملة عسكرية شنتها رداً على هجوم 5 آب/أغسطس 2012؛ وهي أيضاً يمكن أن تستفيد من استئناف المفاوضات تحت رعاية عباس، ما يمكن أن يساعد في إزالة إحدى القضايا المزعجة في العلاقات الأمريكية المصرية، وتحسين المناخ الإقليمي وتمهيد الطريق لعملية سلام جديدة. لماذا لا يكون هناك محاولة للاستفادة من هذا الوضع؟ واشار التقرير الى انه قد حدث هذا في الماضي مرتين – بعد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 وبعد اتفاق الوحدة الوطنية في مكة عام 2007 – حيث أضاع المجتمع الدولي الفرصة في مقاربته حيال حماس، وتبنى سياسات أنتجت تقريباً عكس المتوقع: حيث عززت حماس سيطرتها على قطاع غزة؛ واندلعت أحداث خطيرة مع إسرائيل؛ ولم تتم تقوية ” فتح “؛ وتحللت المؤسسات الديمقراطية في الضفة الغربية؛ ولم يقترب اتفاق السلام من التحقق. ومع حلول فرصة ثالثة سانحة، وسط تحسّن جذري في العلاقات مع الحركات الإسلامية في سائر أنحاء المنطقة، ينبغي على الغرب أن يضمن ألا يُترك مرة أخرى، مقيداً على الرصيف مكتفياً بمراقبة انطلاق قطار الأحداث .