جديد المركز

لهذه الأسباب يجب عدم الغاء الأتفاق النووي مع إيران !!

ما ان وصل دونالد ترامب الى سدة الرئاسة الأميركية حتى عاد التوتر الى حده الأقصى بين واشنطن وطهران وتبادل الطرفان التهديدات والتلويح بإحتمال حصول مواجهة عسكرية مما يعني ان الحرب الباردة بينهما قد عادت الى ما كانت عليه قبل توقيع الأتفاقية النووية .
وكان ترامب اثناء حملته الإنتخابية قد صرح بقوله : ان الاتفاق النووي الذي ادى الى تحديد طهران لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية ضدها كان “اسوأ اتفاق تم التفاوض عليه؛ لما كان يجب التفاوض عليه ابدا”.
وتعهد ترامب “الغاء الاتفاق الكارثي” و”اجبار الإيرانيين على العودة الى طاولة المفاوضات” للوصول الى اتفاق افضل .

وأعقب ذلك اقدام ايران على أجراء تجربة صاروخية جديدة (الأحد 29/1/2017) معتبرة أنها بذلك “لم تنتهك الاتفاق النووي”.
وردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن قد تدرس الخيار العسكري للرد على التجربة الصاروخية الإيرانية، قال ترامب : “لا يوجد شيء غير مطروح على الطاولة”.

واُستتبعت هذه الأجواء المتوترة بالإجراء الذي اتخذه ترامب ومنع بموجبه مواطني 6 دول عربية وأيران من دخول الولايات المتحدة الأميركية لفترة زمنية .

وبنتيجة ذلك نشبت حرباً كلامية بين ترامب وعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين تضمنت لهجات قاسية فيها نبرات عالية من التهديد والوعيد وخاصة ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني ” إن الإيرانيين سيجعلون الولايات المتحدة تندم على لغة التهديد” ، ورد عليه ترامب بقوله : “احترس أفضل لك”.
وبناء على هذه الأجواء الساخنة بدأت دوائر القرار في العواصم العربية والدولية تتساءل عما ستؤول اليه الأوضاع ، كما ذهب بعض المحللين الدوليين الى التكهن بإحتمال اقدام واشنطن على الغاء الأتفاقية النووية التي وقعت عليها رسميا كل من دول 5+1 ( اميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا + المانيا بالأضافة الى الاتحاد الأوروبي ) بتاريخ 24 تشرين الأول/نوفمبر 2014 واعتمدت في لوزان بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2016 بعد استلام مجلس الأمن التقرير الأول من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد “اتخاذ إيران خطوات عملية تنفيذا للاتفاق كما نصت عليها الفقرة 15”.

وفي قراءة متأنية لأهمية هذه الأتفاقية ، وبعيداً عن التصريحات العصبية المرتجلة ، فإن منطق الأمور يستدعي القول أنه يجب الحفاظ على الأتفاقية وعدم المس بها للأسباب التالية :

اولاً : على المستوى القانوني :
1 – لا يمكن لواشنطن منفردة ان تلغي الأتفاقية لأنها موقعة من خمس دول أخرى ومصدق عليها في مجلس الأمن مما يعني ان لها طابعاً دولياً .
2 – ان الجهة المخولة بمراقبة صحة تطبيق الأتفاقية هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يصدر عنها تقريراً دورياً ويتم تسليمه لمجلس الأمن .
3 – بإستطاعة الولايات المتحدة الأميركية الأنسحاب بمفردها من الأتفاقية ، ولكن هذا القرار لا يُلزم الدول الأخرى ، كما لا يلغي الأتفاقية .
ولهذا صدرت عدة بيانات من روسيا والصين ودول الأتحاد الأوروبي تنبه من خطورة الغاء الأتفاقية وتؤكد بالتالي تمسكها بها .
وبناء على ذلك زارت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني واشنطن وقالت بعد المحادثات التي أجرتها في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية : “أنني تلقيت تأكيدات مما سمعته خلال الاجتماعات بشأن نية الالتزام بالتطبيق الكامل للاتفاق”.

ثانياً : على المستوى السياسي :
1 – ان أي الغاء احادي الجانب من واشنطن للأتفاقية النووية سيؤدي الى التسبب بالمزيد من التوتر في منطقة الشرق الأوسط .
2 – يتمنى الجناح المتشدد في ايران لو يتم الغاء الأتفاقية لأن لديه اطماع استراتيجية في المنطقة ، والذي يعتبر ان الأتفاقية قد حدت من اطماعه بدليل أن هذا الجناح هو الذي يصّعد المواقف الأن ، وهو الذي يطلق لهجات تهديد قاسية ظناً منه ان ذلك قد يستثير حماس ترامب ويدفعه الى اصدار قرار احادي الجانب بإلغاء الأتفاقية .
3 – الغاء الأتفاقية سيعطي الذريعة التي يفتش عنها الجناح المتشدد في ايران ليعود الى استراتيجية تفعيل أعداد الطرد المركزي ، كما العودة الى سياسة تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية وصولاً الى امتلاك القنبلة النووية .
4 – لوحظ بعد توقيع الأتفاقية ان الجناح المتشدد في ايران بدأ يضعف لصالح القوى المعتدلة ، ولهذا حاول اعادة شد العصب من خلال التركيز على الإنخراط في ملفات سوريا واليمن والعراق والبحرين ، وإفتعال ذرائع للدخول في مواجهة مع بعض دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية .ولهذا فإن اقدام واشنطن على الغاء الأتفاقية ولو من جانب واحد تكون قد قدمت للجناح الإيراني المتشدد ما يتمناه على طبق من ذهب .

ثالثاً على المستوى العسكري :
1 – نشرت صحيفة “الإندبندنت” موضوعا بعنوان “ترامب سيشعل حربا مع إيران وهو ما يخدم تنظيم داعش”، وأشارت فيه الى ان الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب ربما يستلهم سياسات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل في تعامله مع إيران. ففي حال اقدامه على توجيه ضربة عسكرية الى ايران ستنشب مواجهة يكون تنظيم “داعش” بمنأى عنها وهذا ما سيتيح له فرصة تنفس الصعداء من اجل اعادة لملمة صفوفه وتعزيز قوته .
2 – في حال توجيه ضربة عسكرية الى ايران فإن هذه الضربة ستكون الذريعة التي يتمنى الجناح المتشدد المتمثل “بالحرس الثوري” حصولها لكي يبيح لنفسه ضرب بعض دول الخليج العربي بحجة أنه يستهدف قواعد عسكرية أميركية .
3- يقول بعض القادة العسكريين الإيرانيين أنه في حال تم توجيه ضربة أميركية الى ايران فسيكون الرد في أكثر من منطقة . ويعني بذلك النية بتحريك القوة التسليحية الموجودة عند “حزب الله ” وحركة “حماس ” وغيرها .
4- في حال شاركت اسرائيل في توجيه ضربة الى بعض المنشأت النووية الإيرانية فإن ذلك لن يمنع ايران من مواصلة مشروعها النووي المحصن في خنادق على عمق مئات الأمتار تحت الأرض . كما ان هذا العمل سيدفع بالكثير من الدول الى اعلان تضامنها مع ايران فتخرج نتيجة ذلك من عزلتها .

لهذه الأسباب مجتمعة يجب عدم الغاء الأتفاقية النووية وإبقاء الأمور محصورة ضمن النطاق السياسي ، وإلا ستدخل منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص ، والعالم بشكل عام في نفق من ازمة خطيرة لا يستطيع أي طرف مهما بلغت قوته من التحكم بها .