مع بداية اندلاع ” الربيع العربي ” لوحظ ان تركيا قد برزت بمثابة الداعم الأول ، او تم الترويج اعلامياً على ان النظام التركي هو الأنموذج التي ستقتدي به دول ” الربيع العربي ” كونه برأي الأميركيين يمثل “الأسلام المعتدل” القادر على مواجهة التطرف والتعصب كما انه “البديل” عن الأنظمة التي انتهت صلاحية خدمتها في اكثر من دولة وخاصة في مصر وتونس وليبيا وسوريا .
وذهب الكثير من المحللين الى القول انه ما كان لتركيا ان تلعب هذا الدور في منطقة الشرق الأوسط إلا لأن الدول العربية الأساسية قد انكفأت اقليمياً ودولياً .
وبدا ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ومن خلفه وزير خارجيته احمد داوود اوغلو هما من يدير اللعبة السياسية لجهة تحديد مصير أي نظام ورسم مستقبله السياسي وحجمه وحدود تأثيراته وذلك بتنسيق كامل مع قوى غربية فاعلة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية .
ولكن ما ان حل صيف عام 2013 حتى بدأ الدور التركي يتراجع نتيجة جملة من المتغيرات التي حصلت ومنها :
1 – استعادة السعودية دورها الطبيعي القيادي في المنطقة خاصة وأنها كانت دائماً تشكل احدى الثالوث العربي الى جانب مصر وسوريا .
2 – تخلي امير قطر عن ادارة شؤون البلاد لمصلحة ابنه الشيخ تميم وسحب صلاحيات رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد من جاسم بعد ان كان التوأم لكل ما كان يخططه مهندس ” الربيع العربي ” أحمد داوود اوغلو .
3 – انتفاضة اكثرية المصريين ضد حكم ” الأخوان المسلمين ” الذي كان مدعوماً بشكل كلي من انقرة .
4 – قيام تظاهرات كبيرة في مختلف المناطق التركية على خلفية بعض المشاريع التي كان اردوغان ينوي تنفيذها في ساحة” تقسيم” وسط اسطنبول .
5 – ازدياد حجم التوتر بين انقرة وبغداد وما كان له من انعكاسات سلبية على الأقتصاد التركي وتجارته الخارجية .
6 – تحرك اكراد سوريا لإنشاء حكم ذاتي وما له من تأثير على مستقبل الأكراد في تركيا .
7 – علاقة حذرة بين تركيا من جهة وروسيا وأيران من جهة أخرى على خلفية الملف السوري.
وهناك ايضاً الكثير من المسائل الأخرى والتي جميعها ادت الى عزل تركيا عن جوارها ومحيطها الأقليمي حيث تمر بأزمة واضحة ومعلنة اليوم مع سوريا والعراق ومصر والسعودية، وبأزمة ضمنية مع الكويت ودولة الأمارات العربية المتحدة وايران وروسيا .
وكل ذلك يأتي في وقت لم تتمكن انقرة بعد من اقناع الأتحاد الأوروبي بالإنضمام اليه في ظل رفض كبير من عدد من الدول الأعضاء وعلى رأسها قبرص واليونان .
وعلى ضوء ما تقدم يبدو إن انقرة امام خياران لا ثالث لهما وهما :
- إما ان تعيد انقرة النظر بمواقفها وتنتهج سياسة جديدة اكثر انفتاحاً ، كما كانت عليه الحال قبل نشوب ” الربيع العربي ” .
- وإما رحيل الطاقم السياسي الحالي عبر انتخابات جديدة لإيصال قيادات اكثر استشرافاً لمستقبل تركيا ولمصالحها .
ولعل هذا ما سيقرره الشعب التركي عندما تحين الفرصة المناسبة