جديد المركز

العلاقة بين مشروع ” السلام الاقتصادي ” للفلسطينيين وأحداث سوريا

هناك علاقة غير مباشرة ولكن وثيقة بين فكرة ” السلام الاقتصادي ” التي يسعى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الترويج لها والضغط على قيادة السلطة الفلسطينية من أجل تبنيها كمسار لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبين تطورات الثورة السورية.

قد يبدو الأمر مستهجناً لأول وهلة، لكن استخلاص هذا الاستنتاج جاء بناء على مداولات وعملية تنسيق طويلة جرت بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، حيث إن كيري طمأن الإسرائيليين بأن ما آلت إليه الثورة السورية يوفر فرصة ذهبية لتبني فكرة ” السلام الاقتصادي “. ويكشف يوسي بيلين، الوزير الإسرائيلي الأسبق، وأحد كبار المعلقين في صحيفة ” إسرائيل اليوم “، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً المسوغات التي ساقها كيري للإسرائيليين لإيضاح الأسباب التي تجعله متفائلاً بإمكانية إملاء فكرة السلام الاقتصادي على الفلسطينيين في هذا التوقيت بالذات. وحسب بيلين، فإن كيري يعتقد إن تفجر الثورة السورية وحالة الاستقطاب الحاد التي تسود العالم العربي بشأن التدخلي الإيراني في الشأن السوري تمكن الولايات المتحدة من ممارسة أكبر قدر من النفوذ والتأثير على مجريات الأمور في العالم العربي، تماماً كما تسنى لها الأمر بعد اجتياح العراق للكويت عام 1991.

وحسب بيلين، فإن كيري يرى إن الظروف السائدة حالياً تشبه الظروف التي سادت المنطقة بعيد احتلال العراق للكويت، حيث إنه في تلك الحقبة، كان الاستقطاب بين عراق صدام حسين، وبقية العالم العربي، في حين إن الاستقطاب الحالي هو بين العالم العربي وبين ما أسماه ” المحور الإيراني “، الذي يضم بالإضافة إلى إيران كل من سوريا وحزب الله. وينوه بيلين إلى إن كيري يعتقد إن الرغبة في مواجهة إيران والنظام السوري وحزب الله ستجعل الكثير من الدول في العالم العربي، سيما دول الخليج والأردن معنية أكثر بالاستجابة لمواقف الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وحسب كيري، فإن الدول العربية، وتحديداً الدول الخليجية والأردن هي المطالبة بالمساعدة على تحقيق تقدم على صعيد حل الصراع مع إسرائيل عبر تحركين أساسيين، هما:

أولاً:  الضغط على قيادة السلطة الفلسطينية للموافقة على عودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة، وتمويل المشاريع الاقتصادية التي تتضمنها خطته. أي إن دول الخليج والأردن مطالبة بلعب لعبة العصا والجزرة في مواجهة السلطة الفلسطينية، بحيث إن هذه الدول يمكن أن تهدد بوقف المساعدات عن السلطة في حال لم توافق على استئناف المفاوضات.

ثانياً: اضطلاع دول الخليج بدور رئيس في عملية التمويل، بحيث إن إسهام الولايات وأوروبا سيكون ضئيلاً بسبب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها هذه الدول.

 وعلى الرغم من إن الوزير كيري يدرك إنه سيكون من الصعب جداً على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التراجع عن التزامه أمام الشعب الفلسطيني بعدم العودة للمفاوضات قبل تجميد الاستيطان ووقف عمليات التهويد.

وتدلل مركبات الخطة التي كشف عنها كيري، إنه يتبنى عملياً فكرة ” السلام الاقتصادي “، التي ينادي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ أن تولى منصبه كرئيس للحكومة أول مرة عام 1996. وتتضمن خطة كيري  ” إغراءات ” اقتصادية تسمح لقيادة منظمة التحرير ورئيسها محمود عباس بالعودة للمفاوضات مع إسرائيل بدون شروط مسبقة، سيما التراجع عن المطالبة بتجميد الاستيطان ووقف عمليات التهويد الممنهج في القدس المحتلة، علاوة على تخلي عباس عن شرطه بموافقة إسرائيل المسبقة على إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967.

وضمن سلة ” الإغراءات ” الاقتصادية التي يقترحها كيري خطة لتطوير حقول الغاز قبالة شواطئ قطاع غزة والسماح للفلسطينيين باستغلال حقول البوتاس شمالي البحر الميت، والسماح للسلطة الفلسطينية بتهيئة وإعداد البنية التحتية في المنطقة المصنفة C في الضفة الغربية والواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، والتي تشكل أكثر من 68% من الضفة الغربية. وتنص خطة كيري على زيادة معدل الدخل القومي الأجمالي للسلطة الفلسطينية بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات، وتقليص نسبة البطالة بنسبة 60%، وزيادة الرواتب بنسبة 40% في نفس المرحلة. مع العلم، إن إسرائيل تعارض بعض التفاصيل المتعلقة بما ورد من بنود في الخطة، حيث إن حكومة نتنياهو تعارض السماح للفلسطينيين بالاستثمار في المنطقة C كما هو الحال في منطقة شمال البحر الميت، حيث يبدي مسؤولون إسرائيليون مخاوفهم من أن يشكل تطبيق الخطة الاقتصادية مدخلا لنقل أجزاء من المنطقة C لسيادة السلطة الفلسطينية. وفي المقابل، فإن إسرائيل لم تبد معارضة بأن يقوم الفلسطينيون باستخراج الغاز من شواطئ غزة، واستخدامه من قبل السلطة لإنهاء الارتباط في مجال الطاقة مع شركة الكهرباء الإسرائيلية. ويذكر أن إسرائيل عارضت استغلال حقل الغاز الذي تم اكتشافه قبالة سواحل غزة قبل نحو 10 سنوات، بزعم الخوف من إن يتم استغلال ذلك لتمويل أعمال “الإرهاب”. ويستدل من تسريبات الصحافة الإسرائيلية إن الجانب الأمريكي قام بالتنسيق مع الإسرائيليين حول خطة كيري قبل وقت طويل من اطلاع الجانب الفلسطيني عليها. وطلب كير من منسق اللجنة الرباعية طوني بلير التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ الخطة، وهو ما وجد تعبيره في لقاءات عقدها بلير مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتس. وقد بحث شطاينتس بالفعل مع بلير إمكانية فتح اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة مع السلطة للنقاش، إلى جانب بحث فكرة إقامة مرفأ بري في منطقة جنين لاستقبال الوقود القادم عبر ميناء حيفا بوساطة أنبوب خاص بذلك، بالإضافة إلى استقبال الحاويات الضخمة التي تنقل البضائع للفلسطينيين.

من الواضح إن هناك ثمناً سياسياً يتوجب على قيادة السلطة الفلسطينية أن تدفعه، وهو العودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة، لكن المشكلة تكمن في إن جون كيري يغض الطرف عن الشروط المسبقة التي يضعها نتنياهو. فقد قال نتنياهو إن تحقيق أية تسوية سياسية للصراع يتطلب من الفلسطينيين الوفاء بشرطين أساسيين، وهما: الاعتراف بيهودية إسرائيل والموافقة ترتيبات أمنية تضمن أمن إسرائيل. ومن الواضح إن مطالبة نتنياهو بالفلسطينيين الاعتراف بيهودية يعني تنازلهم ليس فقط عن حق العودة، بل موافقتهم على اية خطوة تقدم عليها إسرائيل لضمان طابعها اليهودي، سواء على الصعيد الديموغرافي أو من حيث ضمان تمكين اليهود من مواصلة السيطرة على الأرض.

من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح تحرك كيري الجديد، لإن الجانب الفلسطيني هو الطرف المطالب بتقديم التنازلات، وهذا الطرف يقف أمام خيارين أحلاهما مر، فإما إن يقبل الإملاءات الأمريكية ويتعرض لانتقادات حادة من الرأي العام الداخلي وإما إن يرفضها ويعاقب بتوقف المساعدات عنه. ومن الواضح إن التحرك الأمريكي يعني إسدال الستار في الوقت المنظور على أية إمكانية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث إن طرح الفكرة والحراك الذي شهدته العاصمة الأردنية بهذا الشأن على هامش انعقاد الملتقى الاقتصادي العالمي قد أشعل حرباً كلامية بين حركتي حماس وفتح.