بعد مرور سنتين على اندلاع الثورة المصرية ضد نظام الرئيس حسني مبارك تذهب مصر مجدداً الى المصير المجهول بسبب انقسام اهل “الربيع العربي” على بعضهم ما بين جهة تمثلها حركة “الأخوان المسلمين” ومن معها من تيارات سلفية متهمة بأنها تستأثر بالسلطة ، وما بين قوى ليبرالية تعتبر نفسها انها هي من صنعت التغيير دون ان تحصد من وراء ذلك سوى التبعية لنظام اسلاموي لا يمكن لها ان توافق على بقائه .
سنتان مرتا دون ان يتمكن نظام الرئيس محمد مرسي من تحقيق أي انجاز لمعالجة الواقع المرير الذي يعيشه المصريون من رواتب متدنية ، وبطالة ، ومديونية هائلة ، وفقر ، وأنعدام الرعاية الصحية والإجتماعية ،وفقدان حركة السياحة ، وتراجع القدرة الإنتاجية في الزراعة والصناعة ، وتقهقر سعر صرف الجنيه امام الدولار ، وهبوط حاد في اسعار اسهم البورصة ، وإنكفاء الإستثمارات الوطنية والخارجية .
سنتان مرتا دون ان يتفق المصريون على دستور موحد للبلاد ، او على صلاحيات رئاسة الجمهورية ، او على اجندة وطنية يتم بموجبها تحديد مسار السياسة الخارجية ، او على برنامج انقاذي وطني يؤطر جهود الجميع من اجل اعادة الأعمار والبناء وفق اسس حديثة ومتطورة ترتقي الى مستوى المكانة التي يجب ان تكون مصر عليها بوصفها اكبر دولة عربية ، وأغزرها تجربة ، وأغناها انتاجاً في الفكر والأدب على المستوى النظري كما على مستوى الممارسة .
سنتان مرتا وكأننا اليوم امام نفس المشهد السياسي الذي كان قائماً قبل ترحيل نظام الرئيس حسني مبارك، لا بل ان تطورات الأوضاع تتجه الى المزيد من المأساوية لأن الثورة عندما قامت ، انما من اجل اسقاط نظام حاكم وأجتمع حينها تحت مظلتها كل فئات المجتمع على مختلف مشاربهم ومذاهبهم وطوائفهم ، اما اليوم فإن فئات هذا المجتمع مختلفة ما بينها الى حد ان كل فئة تعتبر نفسها انها تمثل الشرعية الحقيقية لمطالب الناس وهمومهم وشجونهم .
والصراع لا يأخذ طابعاً سلمياً بل وصل الى حد المواجهة في الشارع فكان ان سقط المزيد من الأبرياء ما بين قتيل وجريح ، ولن تتوقف الأمور عند هذا الحد بل ستتجه الى المزيد من التصعيد في ظل انعدام الحوار ما بين المعارضة والسلطة بحيث لم يعد مستبعداً نشوب حرب اهلية لطالما ان كل طرف يهدد الأخر بتظاهرات مليونية .
ومن الطبيعي في ظل هذه الفوضى المستشرية ان تولد نواة حركات تؤمن ” بالعنف الثوري ” مثل تلك التي اطلقت على نفسها ” بلاك بلوك ” التي اخذت على عاتقها استرداد الثورة ممن ” سرقها ” من الجماعات الأسلاموية ، او كتلك ممن اطلقت على نفسها اسم ” وايت بلوك ” والتي اخذت على عاتقها حماية النظام مما يتعرض له من ” مؤامرات ” .
والجيش إزاء ما يجري في موضع لايحسد عليه ، إذ كيف له ان يحمي الثورة التي كان لها سنداً وداعماً لطالما ان ابناء هذه الثورة منقسمون ما بين فئة في السلطة وفئة في الشارع .
ويبدو ان استمرار هذا الوضع على سلبيته هو مطلباً من بعض القوى الدولية والأقليمية والتي لا تتوانى عن رمي المزيد من الحطب الى اتون الخلافات لأن الهدف هو الهاء مصر بأزماتها ونزاعاتها الداخلية لإستبعادها عن لعب أي دور في مواجهة مخطط كبير يرسم لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها .
وهنا يحق طرح اكثر من علامة استفهام عن حقيقة ” الربيع العربي ” الذي بدلاً من ان يستولد قيامة جديدة فإنه اغرق هذا الربيع في خريف حل مبكراً ليس فقط في مصر بل ايضاً في تونس وليبيا وسوريا واليمن.