أكد تقرير أصدره مؤخراً “مركز إدارة الأزمات الدولية في بروكسل” انه لكي تنتقل المعارضة السورية من مأزق عسكري خطير إلى حل سياسي، ينبغي عليها أن تفعل المزيد في مواجهة النفوذ المتنامي للمجموعات الإسلامية المتطرفة؛ وعلى أعضاء المجتمع الدولي المساعدة في ذلك من خلال تنسيق سياساته.
ولقد ناقش التقرير الوضع السوري تحت عنوان : ” هل هو الجهاد؟ المعارضة الأصولية في سورية” مستنداً بشكل واسع إلى المقابلات الشخصية وإلى الخطاب العلني للمجموعات المسلحة نفسها ليستكشف موقع السلفية داخل الطيف المتشدد ويميّز بين العناصر السلفية- الجهادية الأكثر تطرفاً ونظراءهم في التيار الرئيسي للمعارضة. وعالج التقرير كيفية تحوّل المجتمع إلى مجتمع هش ومتداعٍ، وحلول مأزق وحشي ومدمر ووجود مناخ استراتيجي بالغ الحساسية . ودعا الى التوصل إلى فهم أكثر دقة للمعارضة المسلحة بإعتباره أمر بالغ الأهمية.
ويقول التقرير إن وجود مجموعات سلفية داخل المعارضة المسلحة يمثل اتجاهاً مؤذياً وضاراً لا يمكن إنكاره، لكنه ليس بالضرورة غير قابل للعكس. ولا يمكن إنكار الاختراقات التي حققتها السلفية منذ بداية الحركة الاحتجاجية؛ فقد كانت الظروف مؤاتية ، وكانت الانتفاضة متجذرة في فئة اجتماعية جاهزة ومفصلّة على مقاس الدعاة السلفيين تتمثل في الطبقات الريفية المسحوقة التي هاجرت إلى بيئات حضرية تنزع السمة الشخصية عن الأفراد وبعيدة كلياً عن شبكات الدعم التقليدية.
ومع تصاعد حدة العنف، تراجعت الآمال بالتوصل إلى نهاية سريعة للصراع وتبيًّن أن البدائل المتوافرة، والمتمثلة في المظاهرات السلمية، والقيادات المنفية، والإسلاميين المعتدلين، والتدخل الغربي، جميعها غير فعالة أو تشكل شيئاً من الوهم . وعليه اندفع كثيرون بشكل طبيعي نحو السلفية.
و يقول بيتر هارلينغ، مدير مشروع سورية، والعراق ولبنان في مجموعة الأزمات، “قدّمت السلفية عناصر حاسمة تتمثل في سرد مقنع وجذاب وشعور قوي بالعمل من أجل هدف سام، والتمويل والذخائر من عرب الخليج المتعاطفين، والمقاتلين والخبراء من أوساط الجهاديين الذين قاتلوا في معارك أخرى. لكن إذا كانت السلفية قد نشأت من مأزق، فإنها أفضت إلى مأزق آخر. لقد برزت في وقت علقت فيه الأطراف الأخرى في المعارضة المسلحة في مأزق عسكري، لكنها فاقمت من الاستقطاب الحاصل في المجتمع وذلك بتعميق الطبيعة الطائفية للصراع، وعززت حجج أولئك الذين تزعم أنها تحاربهم”.
إلاّ أن الهيمنة السلفية على ميدان المعارضة ليس أمراً محتماً، فسورية ذات تاريخ عريق في الممارسات الإسلامية المعتدلة؛ وقد افتخرت دائماً بالتعايش السلمي بين مختلف طوائفها. ولقد رأى مواطنوها بشكل ملموس التبعات الكارثية للصراع الطائفي حين التهمت الحرب الأهلية اثنين من جيرانها، لبنان أولاً، ومن ثم العراق. وأخيراً، فإن كثيرين في المعارضة يدركون أن السلفية تضعف جاذبية المعارضة، وتخيف الأقليات السورية وتشعر داعميها الأجانب، الفعليين والمحتملين، بالقلق.
وقال التقرير الدولي انه ينبغي للمعارضة السورية أن تواجه مسؤولياتها وتوقف الانزلاق نحو خطاب يزداد طائفية وتطرفاً وتضع حداً للتكتيكات الوحشية. وينطبق الشيء ذاته على أعضاء المجتمع الدولي الذين يسارعون إلى لوم المعارضة على انقسامها وانزلاقها نحو التطرف وهما أمران أسهم انقسام المجتمع الدولي وضعفه في مفاقمتهما. وطالما استمرت البلدان المختلفة في رعاية مجموعات مسلحة بعينها، فستنشأ حرب عروض ومزايدات، وسيتلاشى أي أمل في تنسيق جهود الثوار وكبح جماح العناصر الأكثر تطرفاً في أوساطهم.
ويقول روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات، “لقد تركز جزء كبير من النقاش على ما إذا كان ينبغي تسليح المعارضة – وإذا تم تسليحها، فمن يسلحها وبماذا، لكن هذه ليست القضية المحورية. القضية هي عقلنة وتنسيق الدعم المقدم للمعارضة والمساعدة على نشوء طرف محاور أكثر تنظيماً وفعالية يشارك في التسوية المتفاوض عليها، والتي لا بد قادمة، إن عاجلاً أو آجلاً. حتى الذين يقفون مع النظام سيستفيدون إذا رغبوا في رؤية المأزق العسكري المدمر الراهن يتطور ليتحول إلى حل سياسي “.