وسط اجواء استقبال حارة رسمياً وشعبياً وصل الى لبنان البابا بينيديتكوس السادس عشر يوم 14/9/2012 وغادر يوم 16 منه بعد جولة رعوية في ارجاء متعددة من لبنان ، وبعد ان اقام قداس الهي وسط بيروت ، وبعد ان وقع الإرشاد الرسولي الذي يدعو الى التعايش بين الأديان والى السلام والمحبة بين جميع ابناء الطوائف .
وزيارة البابا الى لبنان ليس بمحض الصدفة بل لأن هذا البلد هو الوحيد في منطقة المشرق الذي تعيش فيه الطوائف المسيحية بأمان وأستقرار والتي تشارك بفعالية في إدارة شؤون البلاد مناصفة مع المسلمين على مختلف مذاهبهم .
كما ان هدف زيارة البابا الى لبنان البعث عبره برسالة الى مسيحيي المشرق لكي يتشبثوا بأرضهم وأن يدافعوا عن وجودهم وأن يتجنبوا ان يكونوا كبش المحرقة في الظروف الحالية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط مع اندلاع ما اصطلح على تسميته ب ” الربيع العربي ” .
فواقع حال المسيحيين في المشرق يفيد انهم مستهدفون ، وأن هناك من يسعى الى ترحيلهم إما لإقامة دولة دينية ،او لتوطين فلسطينيين مكانهم ،أو لمحاسبتهم لأنهم برأي البعض غالباً مع يقفون مع الأنظمة ولا ينخرطون في أي مشروع سياسي تغييري .
وفي شتى الأحوال فقد لوحظ منذ سنوات قليلة وحتى اليوم ان تعايش المسيحيين مع الأخرين بات امراً حساساً لأن منطق السلطات يقول ان الأقلية يجب ان تعيش في كنف الأكثرية وان تخضع لقوانينها وأنظمتها . وبما ان المسيحيين هم اقلية في كل دول المشرق لذا يمكن القول ان هذا الوجود محفوف بالمخاطر .
ففي العراق تقلص عدد المسيحيين من مليون ومائتي ألف إلى أقل من ستة آلاف في غضون ست سنوات أي من العام 2004 الى العام 2010 ، وأن عدد كبير من الذين بقوا في البلاد يريد الهجرة والهرب، بدليل الطلبات الكثيرة التي تتلقاها جمعية الدفاع عن أقليات الشرق الأوسط، التي تنشط بفرنسا منذ قرابة الأربع سنوات وتتكفل بتقديم طلبات اللجوء للسلطات الفرنسية بالتنسيق مع جمعيات عراقية تنشط بالعراق.
وفي سوريا فإن المسيحيين الذين يشكلون نحو 10 في المائة من عدد السكان ،أي ان عددهم يبلغ نحو مليوني نسمة باتوا محل استهداف قوى مختلفة الأمر الذي اضطر نحو مائة الف مسيحي الى الهجرة من منطقة الى أخرى داخل سوريا او الى الهروب الى خارج سوريا وذلك اعتباراً من تاريخ بدء الحراك منذ اقل من سنتين.
وفي مصر غالباً ما تحصل مواجهات على خلفية دينية مع الأقباط الأمر الذي دفع بأغلبيتهم الى الهجرة رغم ان تعدادهم يبلغ نحو 20 مليون نسمة من اصل 83 مليون نسمة هو العدد الإجمالي لسكان مصر .وهذه الحال قائمة منذ عشرات السنوات . وفي اسرائيل فهناك تعديات يومية على المقدسات المسيحية وتضييق على المسيحيين لدفعم للهجرة تمهيداً لأقامة دولة يهودية عاصمتها القدس التي لها مكانتها المقدسة لدى المسيحيين كما لدى المسلمين . ويبلغ عدد المسيحيين في إسرائيل 148 ألف نسمة ويشكلون 2.1في المائة من مجمل مواطني الدولة.
أما في لبنان فقد سبق وطرح الغرب على المسيحيين ابان الحرب الأهلية التي نشبت عام 1975 ان يتم ترحيلهم الى كندا والى غيرها من الدول الغربية ولكن مني المشروع بالفشل ، وتم اقرار اتفاق الطائف الذي نص على تقاسم السلطة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين رغم ان عدد مسيحيي لبنان هو حوالي ثلت العدد الإجمالي للسكان الذي يبلغ نحو 5 – 6 ملايين نسمة . ورغم عدم وجود تهديد مباشر للوجود المسيحي في لبنان الأن إلا ان هناك تخوف لديهم من قبل بعض القوى التي ترفع شعار اقامة “دولة اسلامية” مما سيحولهم الى ” اهل ذمة ” في بلد يعتبرون انفسهم هم الأصل في وجوده . هذا الواقع المسيحي في المشرق هو الذي دفع بالبابا يوحنا بولس الثاني الى زيارة لبنان قبل 15 سنة وهذا ما يحمل البابا بينيديكتوس السادس عشر الى زيارة لبنان الأن . ومع ذلك يبقى السؤال مطروحاً فيما إذا كانت هذه الزيارات قد شكلت طمأنينة لمسيحيي المشرق ؟