بات استخدام كل الأسلحة في سوريا اليوم أمر مباح سواء من قبل المعارضة او من قبل النظام الحاكم لأن المعركة التي بدأت منذ نحو سنة ونصف لم تعد معركة من اجل الإصلاح والتغيير بل اصبحت معركة من اجل الوجود حيث لا يمكن للمعارضة ان تتراجع وأن تقبل بأي تسوية ولا النظام بوارد اعلان انهزامه والرحيل من السلطة . فالإحصاءات شبه الرسمية تفيد انه قد سقط حتى الأن اكثر من 20 الف قتيل ونحو مائة الف جريح ،وتم تدمير عشرات الاف المنازل ،ليضاف كل ذلك الى ازمة اقتصادية خانقة ،وفقدان للمواد المعيشية الأساسية ، وخراب كبير في البنى التحتية مما اعاد سوريا اكثر من نصف قرن الى الوراء تماماً كما جرى في العراق خلال العقد الأخير من القرن العشرين والذي تداعياته لا زالت مستمرة حتى اليوم . وليس هذا نهاية المطاف لأن المعارك الضارية التي جرت مؤخراً في دمشق ستعقبها معارك اكثر شراسة في حلب وضواحيها ، ومن ثم في مناطق اخرى مثل ادلب ودير الزور وحي الخالدية في حمص .. والتي ما ان يتم الإعلان عن انتهاء المعارك في هذه المناطق حتى تعود مجدداً لتشتعل فيها مثلما جرى في جسر الشغور ، وبابا عمرو ، وتل كلخ والقصير وغيرها . وطبعاً الخاسر الأكبر هو المواطن الذي يدفع من ماله وحياته ثمن مواجهات لا دخل له فيها لأنه لا يستبشر خيراً لا بالمعارضة الممزقة والمتفرقة والتي لا تملك أي برنامج سياسي محدد لمستقبل سوريا ما بعد الأسد ، ولا النظام الذي يدافع عن رموزه وقادته دون ادنى اعتبار لمصلحة البلد والذي من غير المعروف بعد الى متى سيصمد هذا النظام ، او بالأحرى كيف سيعيد اقناع الشعب ، في حال بقائه ، انه قادر على إنجاز اصلاح حقيقي وأنه يمتلك شرعية البقاء . . هذه الشرعية التي من غير المعروف فيما إذا كانت مستمدة من فوهات المدافع او من زنازين السجون الممتلئة بالمعتقلين . والمجتمع الدولي لا يجيد إلا اصدار البيانات والأدلاء بتصريحات توحي في مضامينها ان الحل ليس بقريب وأن هناك وقت ضائع الأن لأن روسيا لوحدها غير قادرة على فعل أي شيء بإستثناء استخدام الفيتو ، ولأن اميركا لا تريد فعل أي شيء قبل الإنتخابات الرئاسية المحددة اواخر العام الجاري . فالمسألة لم تعد كناية عن ثورة من اجل ازالة نظام يتحكم بالعباد والبلاد منذ 40 سنة بل اصبحت صراع ذات ابعاد دولية من منطلق ان بقاء النظام السوري يخدم الإستراتيجية الروسية والإيرانية ويثبت لهما وجودهما في كل ملفات الشرق الأوسط ، ومن منطلق ان ازالة النظام السوري يخدم الإستراتيجية الأميركية ومن يدور في محورها وصولاً الى بناء شرق اوسط جديد ليس فيه دول ممانعة وأعتدال بل منظومة واحدة متجانسة ومتقاربة في اشكال الحكم وفي هيكليات السلطة . وبناء على ذلك فإن اي طرف غير مستعد للإنسحاب لصالح الطرف الأخير ، كما كل طرف يحاول قبل الإنتخابات الأميركية ان يحسّن من مواقع نفوذه وأن يكثر من الأوراق التي يمتلكها .. وما من مكان لتنفيذ ذلك اليوم سوى الساحة السورية المرشحة اكثر من أي وقت مضى لتشهد المزيد من حمامات الدم.