جديد المركز

ساركوزي يغرق فرنسا في الوحول الليبية ..!

ابدت باريس اندفاعاً غير مدروس في الأزمة الليبية حيث سبقت قرار مجلس الأمن باللجوء الى الحسم العسكري ومن ثم الى جر المجتمع الدولي الى هذا الخيار رغم عدم توفر الإمكانيات المالية واللوجستية اللازمة الأمر الذي جعل فرنسا تغرق الأن في الوحول الليبية نتيجة عجزها عن تقديم ما يلزم من دعم للثوار ، كما تعجز عن الإسراع بترحيل نظام القذافي . وسبب سرعة اندفاعة باريس يعود الى انها ارادت التغطية على الأخطاء التي ارتكبتها اثناء نشوب الثورة التونسية حيث افترضت انها كناية عن حركة تمرد ذات بُعد ارهابي . وأرتكبت خطأ أخر اثناء نشوب الثورة المصرية إذ ترددت كثيراً قبل اتخاذ أي موقف واضح بالنظر لما كان للرئيس المخلوع حسني مبارك من علاقات جيدة مع الإدارة الفرنسية ، وخاصة مع رئيس الوزراء فرنسوا فيون الذي نزل ضيفاً على مبارك في مصر قبل اسابيع من اندلاع التحركات الشعبية . ولذا ما ان اندلعت الثورة الليبية حتى سارعت باريس الى اعلان دعمها للثوار وأعترافها بالمجلس الوطني المؤقت ، ومن ثم لجأت الى شن غارات جوية ضد مواقع عسكرية تابعة لكتائب القذافي قبل أن يتم اسناد هذه المهمة الى حلف الأطلسي الذي يشكو اليوم من عدم توفر الأموال اللازمة لتغطية نفقات مواصلة الحرب . ولكن يبدو من خلال تطورات الأوضاع ان الحل العسكري بات معقداً ومتعثراً ، ولهذا بدأت عواصم الغرب بإيلاء اهمية للخيار السياسي حيث جرت مفاوضات اميركية – ليبية في جزيرة جربة التونسية رشح منها استعداد القذافي لتقديم كل التسهيلات اللازمة للولايات المتحدة وأقامة شتى انواع التحالفات معها شرط بقائه في السلطة . ومن ثم جرت مفاوضات فرنسية – ليبية حيث استقبلت باريس موفداً من القذافي رغم ادراكها ان هذا الأخير يفضل ان يسلم اوراقه الى الولايات المتحدة وليس الى فرنسا خاصة وأن القذافي سبق واتهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنه «مجرم حرب (..) شوّه تاريخ فرنسا» ، وأن ساركوزي «يعاني من خلل عقلي” . وتركزت المباحثات حسب المصادر الفرنسية على نقطة أساسية، هي مصير العقيد القذافي وسيناريو تنحيه عن السلطة، ومعرفة ما إذا كان ذلك سيكون نقطة البداية للمسار السياسي أم محصلته. والموفد الليبي الذي جاء مرتين الى باريس هو مدير مكتب القذافي بشير صلاح بشير حيث قابل في المرة الأولى وزير الداخلية كلود غيان الذي لعب، في الماضي، الدور الأول في التقريب بين باريس وطرابلس، كما التقى وزير الخارجية ألان جوبيه. أما في المرة الثانية، فقد كان له لقاء «عاصف» مع الرئيس ساركوزي نفسه، الذي اشترط بداية وقبل أي شيء آخر، تنحي القذافي لقبول باريس السير في الحل السياسي . ويبدو ان الرئيس ساركوزي هو الأكثر تشددا في التعاطي مع الملف الليبي، والأكثر إصرارا على إزاحة القذافي بموازاة وزير الدفاع جيرار لونغيه، الأكثر «تساهلا» في قبول احتفاظ القذافي بـ«دور ما» شرفي أو بروتوكولي فيما وزير الخارجية ألان جوبيه، فإنه يقف في «منزلة بين المنزلتين» إذ يؤيد بقاء القذافي في ليبيا ولكن دون صلاحيات رسمية . ويذهب بعض المطلعين إلى القول بأن المسألة أصبحت «شخصية» بين القذافي وساركوزي خاصة وأن هذا الأخير تعمد ان يتخطى القرارين الدوليين 1970 و1973 حين اوعز الى القوات الفرنسية بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة وفق الدستور بإنزال أسلحة وذخائر إلى الثوار الليبيين بالقرب من العاصمة طرابلس . وحسب بعض المحللين ان المسألة ليست شخصية انما يتم استثمارها لأبعاد شخصية خاصة لدى الرئيس ساركوزي الذي استخدم كل اوراق الضغط على نظام القذافي من اجل اسقاطه قبل حلول العيد الوطني الفرنسي يوم الرابع عشر من تموز / يوليو لكي تكون مناسبة للإستثمار في الإنتخابات الرئاسية المقبلة بعد ان تدنت كثيراً شعبية ساركوزي . وكان ساركوزي يخطط في حال سقوط القذافي لإستقدام مجموعات من المنشقين من الجيش الليبي للمشاركة في العرض العسكري على جادة الشانزليزيه ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن . وما تجدر الإشارة اليه هو ان السياسة التي تتبعها الحكومة الفرنسية تجاه نظام القذافي لا يلقى معارضة لا في الشارع ولا في البرلمان. فقد أظهرت المناقشات التي جرت في المجلسين (الشيوخ والنواب) أن أكثرية ساحقة أعطت الضوء الأخضر للحكومة للاستمرار في العمليات العسكرية في ليبيا، إذ حصلت في الجمعية الوطنية على 482 صوتا من أصل 516 صوتا، ولم يعارضها سوى 27 نائبا (من الشيوعيين والخضر). أما في مجلس الشيوخ، فقد صوتت الأكثرية الساحقة لصالح الحكومة، إذ حصلت على أصوات حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني (الحاكم) وعلى أصوات الشيوخ الاشتراكيين (311 صوتا) فيما عارضها الخضر والشيوعيون (24 صوتا). ولم تكن باريس تقدر أن الحرب ستطول أشهرا، إذ دأبت على تأكيد أن بوادر التفسخ بدأت تنخر الحلقة الضيقة المحيطة بالقذافي. وإضافة الى الضغوط السياسية والعسكرية فقد طلب ساركوزي وساطة الرئيس الروسي ميدفيديف لإقناع الزعيم الليبي بالرحيل ولكن دون جدوى . وبما أن القذافي لم ينهزم بعد فقد اخذت الحرب تطأ بثقلها على ميزانيات الدول المشاركة، إذ بلغت كلفتها حتى الآن فرنسيا 160 مليون يورو وفق وزيرة الخزانة فاليري بيكريس. ويقول وزير الدفاع إنها تكلف يوميا مليون يورو. ولعل السؤال المطروح الأن في الدوائر الأوروبية هو : كيف الانتهاء من الحرب الليبية؟ وتقول المصادر الفرنسية إن هذا السؤال كان محل نقاش مستفيض على طاولة وزراء خارجية مجموعة الاتصال الذين التقوا في اسطنبول بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والدول المشاركة في العمليات العسكرية، ومن بينها قطر والإمارات العربية المتحدة وأمين عام الحلف الأطلسي والأمين العام للأمم المتحدة ومندوبه عبد الإله الخطيب. ولم يتوصل الجميع الى أي جواب بإستثناء القول انه يجب المراهنة على حل سياسي . وفيما لو تم الحل السياسي فإنه سيأتي حكماً عن طريق واشنطن وليس عن طريق باريس مما يعني ان خسارة ساركوزي في الثورة الليبية ستكون اكبر من خسارته في الثورة التونسية والمصرية .