كلما جرى حديث عن الفساد تتجه الأنظار بشكل خاص الى العالم العربي .. وكلما أصدرت المؤسسات المالية العالمية تقاريرها السنوية أو عندما تريد انقاذ اقتصاد أي دولة من الدول النامية تركز بالدرجة الأولى على كيفية قضاء هذه الدولة على الفساد المستشري في مؤسساتها لكي تتمكن من تحقيق النمو المطلوب او لكي تضع حداً لمديونيتها المتنامية لأن الفساد يعني هدر امكانيات الدولة وتضييع طاقاتها واغتناء اشخاص محدودين على حساب الأكثرية الساحقة من ابناء الشعب .
ولكن اليوم لم تعد مسألة الفساد تهمة تخص العرب أو الدول النامية فقط بل اصبحت ظاهرة خطيرة في اوروبا وتحديداً في دول الأتحاد الأوروبي التي تعاني من هذه الظاهرة دون ان تتمكن بعد من ايجاد الدواء الناجع لها .
والذي استدعى ايلاء هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها هي الأزمة المالية الفادحة التي أصابت أوروبا وهددت بإفلاس عدة دول ، والتي لا زالت تداعياتها مستمرة وتشكل خطراً كبيراً على مصير اليورو .
ولتبيان أخطارها وأبعادها لجأت منظمة الشفافية الدولية ( ترانسبارنسي ) الى إعداد دراسة معمقة بينت من خلالها إن ظاهرة الفساد الإداري والتسيب في عدد من الدول الأوروبية وخاصة دول جنوب القارة يزيد من حدة وقع الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها القارة .
وقال التقرير إن العلاقة الوثيقة بين قطاع رجال الأعمال وبين بعض الحكومات قد شجعت الفساد، وعرقلت الاستقرار الاقتصادي في أوروبا.
واشتكى التقرير الذي يحمل عنوان “السلطة والمال والسياسة: مخاطر الفساد في أوروبا” من انعدام الشفافية في صنع القرار خاصة لجهة التمويل الذي يقدم للأحزاب السياسية من رجال المال والأعمال .
وكشف التقرير إن تسع عشرة من الدول الأوروبية ال 25 التي شملتها الدراسة لم تلتزم بعد بتنظيم وهيكلة أنشطة الضغط واللوبي داخلها ،وان عشر دول أوروبية فقط تمنع قيام الخواص والشركات من تمويل الأحزاب والقوى السياسية .
ودعت المنظمة أعضاء البرلمان الأوروبي لزيادة فرض الشفافية في تمويل النشاط السياسي في الاتحاد الأوروبي لأن تقديم التمويل الى أي حزب يعني مساعدته للوصول الى السلطة .. ووصوله الى السلطة يستوجب عليه لاحقاً تقديم تسهيلات لمن موّله من اصحاب المصارف او الصناعيين او التجار.
وقال التقرير إن هذه المعضلة تبدو مثيرة للقلق في وقت تواجه فيه منطقة اليورو اعتى أزمة تعصف بها على الإطلاق.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي فان ثلاثة من أصل أربعة أوروبيين يعتقدون أن الفساد يمثل مشكلة متزايدة الخطورة في بلادهم .
وبين التقرير إن الأحزاب السياسية والشركات والمؤسسات العامة هي أقل فعالية في مكافحة الفساد والرشوة.
ويقدر مجلس أوروبا الخسائر الناجمة عن الفساد في أوروبا بنحو 120 مليار يورو سنويا.
وأوضح التقرير إن حكومات كثيرة لا تفعل بما فيه الكفاية لمراقبة الحسابات المالية العامة والعقود العامة التي تمثل مبلغا يناهز 1800 مليار يورو كل عام في الاتحاد الأوروبي.
وأكد التقرير إن الدانمرك والنرويج والسويد هي الدول الوحيدة التي لديها افضل انظمة حماية ضد الفساد ،
فيما 12 بلدا أوروبياً لا توفر الحد الأدنى المفروض على التبرعات الفردية للقوى السياسية ،وان سبعة عشر بلداً لا تمتلك مدونة لقواعد سلوك البرلمانيين.