جديد المركز

مترو الرياض : قيمة اقتصادية واجتماعية

معلوم ان باريس من ضمن أولى المدن التي انشأت شبكة كبيرة من خطوط المترو أشبه بخيوط العنكبوت التي تتقاطع في كل الاتجاهات بحيث تنقل المسافرين من اقصى شمال باريس الى اقصى جنوبها ومن اقصى شرقها الى أقصى غربها ، ناهيكم عن خطوط القطارات التي تنتشر على كافة الأراضي الفرنسية .
وصحيح أن زحمة السير لا تزال خانقة ولكن ساهمت شبكات المترو بتوفير سهولة التنقل للمواطن كما انها لعبت دوراً في خلق ثقافة اجتماعية جديدة فرضت نفسها على كل شرائح المجتمع وأطيافه السياسية دون تمييز بين غني وفقير أو بين موظف عادي ومسؤول كبير.
وتعود بي الذاكرة الى أكثر من عقدين من الزمن حين التقيت صدفة في مترو الأنفاق في باريس بوزير الثقافة جاك لونغ ، الذي يشغل حالياً منصب رئيس معهد العالم العربي ، وكان لتوه قبل يوم واحد قد خرج من حكومة في عهد الرئيس فرنسوا ميتران وتخلى عن سيارته الحكومية وعن مرافقيه ليعود في اليوم التالي مواطناً عادياً دون مواكبة ولا مرافقة مستعيناً بالمترو للذهاب بمفرده الى مقصده متأبطاً حقيبة اوراقه في يد وجريدته اليومية في اليد الأخرى .
وتعمدت من وراء سردي هذه الواقعة القول ان مدينة الرياض مقبلة على انجاز شبكة هامة من خطوط المترو تغطي 176 كلم وتضم 6 خطوط عنكبوتية تتقاطع شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ، ويقدر لها حسب الدراسات الموضوعة ان تكون جاهزة للاستخدام عام 2019 .
ووفق حسابات اقتصادية فإن هذا المشروع هو الأضخم في الشرق الأوسط حيث ستصل تكلفته الى نحو 22 مليار دولار ، وتتولى شركات ألمانية وفرنسية وكورية انجازه بحيث يتم الانتهاء من بناء كل الخطوط دفعة واحدة ويتم وضعها في الخدمة في وقت واحد .
ورغم الأهمية الإقتصادية لهذا المشروع إلا ان له اهمية اجتماعية كبيرة ان لجهة تسهيل وصول المسافرين بسهولة الى الأماكن التي يقصدونها ، او لجهة التخفيف من حدة الزحمة وقت الذروة ، او لجهة الحد نسبياً من انبعاث الغازات السامة التي تنطلق من السيارات.
وطبعاً هذا الأمر لن يتحقق فور البدء بتشغيل مترو الأنفاق في الرياض بل قد يحتاج الأمر بعض الوقت لأن الكثيرين من المواطنين السعوديين سيترددون بادىء الأمر في استخدام المترو ظناً منهم ان ذلك يسيء الى مكانتهم الإجتماعية او يقلل من شأنهم ، مما يعني انهم بحاجة لفترة زمنية لكي تصبح عملية التنقل بواسطة المترو جزءاً من ثقافتهم اليومية او لنقل احدى العادات الإيجابية المستجدة التي سيكتسبونها .
وهذه ليست فقط حال السعوديين في الرياض بل سبقهم الى ذلك كل من شهد ولادة المترو في بلده حيث احتاج الى فترة لكي يعتاد على استخدامه ..
وأملنا ان لا تطول هذه الفترة في بلادنا وأن نكون جميعاً قدوة لبعضنا البعض .