يقوم الرئيس الفرنسي هولاند هذه الأيام بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية للاجتماع مع خادم الحرمين الشريفين لتعزيز وبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك ..ومع كل التقدم الذي تحقق في الشراكة بين البلدين تأتي زيارة الرئيس هولاند لقطف ثمارالتعاون الاستراتيجي السعودي الفرنسي في كافة المجالات : السياسية -العسكرية- الاقتصادية -الثقافية – الصحية ..الخ
التوافق الفرنسي العربي كان يتحول أحيانا إلى تباين في تحديد المسؤوليات، التي تبدأ بخصوصية العقلية الفرنسية التي يلحظها الجانب العربي في الطرف الفرنسي فتنعكس سوء فهم وعدم توافق على الشراكة التجارية، وتصل إلى صعوبة تأقلم الفرنسي مع طول مرحلة اتخاذ القرار لدى الجانب العربي…
ورغم ذلك باريس تبدو مقتنعة اليوم إنها تستحق نوعاً من الاعتراف الملموس تقديراً لمواقفها السياسية، وفي جعبتها الكثير من المواقف المؤيدة للعرب والمسلمين: وهي مواقف ترى التقارير الدبلوماسية والأمنية الفرنسية أنها تلقى الترحيب والتقدير في عواصم القرار العربي السياسي والاقتصادي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية… علما ان الصناعيين الفرنسيين ما زالوا يجدون ان هذه المواقف السياسية لا تنعكس كما يجب في التعامل والتبادل مع الشركات الفرنسية.
ويأمل رجال الأعمال في الاستفادة من هذه الأجواء الإيجابية لبناء شراكات إستراتيجية طويلة الأمد تعود بالنفع والفائدة إلى الطرفين مشيرين إلى حيوية الدعم السياسي من أجل توقيع أي عقد تجاري، والى دور دول الخليج ،وعلى رأسها السعودية، في إنقاذ فرنسا من أزمتها الاقتصادية.
وثمة بين الفرنسيين من يرى أن زيارة الرئيس هولاند إلى المملكة تأتي في ظروف ومعطيات جيوسياسية جديدة بفعل تحولات السياسة الأميركية تجاه دول المنطقة، ويذهب هؤلاء إلى حد الدعوة إلى الاستفادة من “الثغرة الأميركية”، والشعور السائد في الخليج بتباعد المصالح الاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تبدو أنها اعتمدت خيارات وتحولات استراتيجية خلقت تململاً في هذه الدول… وفي المقابل زادت فسحة الأمل بالنسبة للشركات الفرنسية لتؤكد للجميع أن الشراكة الاستراتيجية فرصة تاريخية لا يجوز تفويتها.
التعاون العسكري :
وقد شهد هذا العام والعام المنصرم مناورات عسكرية سعودية فرنسية حية في فرنسا والمملكة العربية السعودية في القطاعات العسكرية المختلفة والمتنوعة لتعزيز القدرة العسكرية الدفاعية السعودية وتعزيز التعاون العسكري المشترك مستخدمين أفضل وأكثرأنواع الأسلحة المتطورة التي تمتلكها القطاعات العسكرية السعودية أثبتت تلك المناورات قدرة وجهوزية الرجال البواسل السعوديين لردع كل من تسول له نفسه المساس بتراب هذا الوطن .
التعاون النووي:
وكذلك تبدي فرنسا أيضاً اهتمامها بمشاريع المملكة لإنتاج الطاقة النووية السلمية وهي تضع في الميزان خبرة شركاتها الطويلة والمشهود لها عالمياً وتعمل مسبقاً على تفادي ما حصل في الإمارات عندما خسرت أمام الشركات الكورية الجنوبية. وقد أعلن أكثر من مسؤول فرنسي هذه الرغبة ومنهم وزيرة التجارة الخارجية التي أكدت أن بلادها تتشرف بالمساهمة في بناء محطات نووية مدنية سعودية. والواقع إن التعاون النووي السلمي بين البلدين قد انتقل إلى مرحلة متقدمة حيث تم مؤخراً الاتفاق بين 25 شركة سعودية وشركات عملاقة فرنسية مثل أريفا وكهرباء فرنسا للتعاون في مجال إنتاج الطاقة النووية والطاقات الجديدة، واستقبلت فرنسا مؤخراً وفداً من هذه الشركات السعودية للتواصل ونقل المعرفة.
والى جانب هذه المجالات تميزت العلاقات الفرنسية السعودية برفع مستوى التعاون في عدة مجالات أخرى من بينها التعاون الثقافي بين البلدين الذي سجل في السنوات الأخيرة قفزة نوعية تميزت بارتفاع عدد الطلاب السعوديين في الجامعات الفرنسية إلى 1400 طالب. وقبل أيام ظهر دليل جديد على الشراكة الثقافية عندما قام صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز -أمير منطقة الرياض- بتدشين أول كلية للسياحة والفندقة في الرياض تعمل بطاقم تدريسي فرنسي لتأهيل الكوادر السعودية في هذا المجال. وهذه الكلية هي الأولى من مشروع سبع كليات . وفي إطار توسيع التعاون تم مؤخراً افتتاح عدد من مكاتب التنسيق التجاري بين البلدين لخدمة المستثمرين من الجانبين وجرى التوافق على تبادل بعثات تجارية تساهم في تعزيز التعاون التجاري والصناعي وتعزيز الشراكات الإستراتيجية في قطاعات جديدة مثل الطاقة الشمسية والطاقة النووية السلمية والصحة وكفاءة الطاقة…
ومن المؤكد أن العلاقات السياسية تساهم في بناء أجواء ثقة متبادلة ضرورية للأعمال والتعاون، ولكل هذا تبدو الفرصة مواتية لاقتناصها واستثمارها من الطرفين خصوصاً في زمن ندرة الفرص الاستثمارية الثمينة.
أول بروتوكول صحي:
وفي الآونة الأخيرة سرّع البلدان خطوات التعاون الصحي من خلال توقيع أول بروتوكول تعاون بين وزارتي الصحة في البلدين الذي أعلن عنه قبل أيام، واستضافت باريس في أواخر نوفمبر إطلاق أول لقاءات صحية سعودية فرنسية ترأسها كل من وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة ووزيرة التجارة الخارجية السيدة نيكول بريك التي وعدت خلالها بان تكون فرنسا شريكا استراتيجيا جديداً للسعودية في المجال الصحي بحيث تتجاوز عروض التعاون الاتفاقيات الحالية مثل التعاون مع مركز باستور ومع مجموعة كارمات المتخصصة في تجارب القلب الاصطناعي المتكامل. ولا تخفي باريس رغبتها في بناء شراكة حقيقية صناعية في محور صحي سعودي فرنسي يشمل التكنولوجيا المتطورة ونقل المعرفة والمعلومات والتأهيل وتبادل الخبرات.
وفي المجال الصحي أيضاً تبدي فرنسا حرصاً على عقد شراكات حقيقية مع شركات سعودية ومنها الصغيرة والمتوسطة وقد قامت أكثر من 20 شركة فرنسية بتقديم العرض الطبي الفرنسي لتعزيز التعاون والشراكة مع الشركات السعودية. وتشكّل فرص التعاون الصحي هذه استثمارات بأكثر من 3 مليارات يورو في المدى القصير وتسعى باريس للاستفادة منها والحصول عليها من قبل مجموعات كبرى أو منشآت صغيرة ومتوسطة مبتكرة. وللدلالة على جدية وأهمية الرهان على هذا التعاون ستكون فرنسا ضيف الشرف في المعرض الصحي السعودي الذي ستستضيفه الرياض في 2014 ،
لكل ذلك يسعى هولاند والملك عبدالله على خطى ديغول وفيصل ويؤكد أن فرنسا تختار السعودية شريكاً استراتيجياً مميزاً.